المخدرات الرقمية والإدمان الرقمي ... حقيقة أم أوهام؟


 كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن نوع جديد من أنواع المخدرات تسمى بالمخدرات الرقمية وتسبب ما يسمى بالإدمان الرقمي، وتناقلت وكالات الأنباء والمحطات الإخبارية نشرات ومقالات عن هذا النوع من المخدرات، ويأتي هذا المقال بقصد توعية المواطن الأردني بحقيقة المخدرات الرقمية.

قبل أن أتطرق الى موضوع المخدرات الرقمية لا بد أن أتطرق الى موضوع الإدمان بشكل عام والإتفاق على تعريف له ليشكل قاعدة صلبة لنا ننطلق منها الى التعريف بالمخدرات الرقمية.

 فالإدمان هو تعود الإنسان على شيء معين وعدم قدرته على التخلص منه أو الإقلاع عنه إلا بجهد كبير وبمساندة من أصحاب الإختصاص والخبرات في الصحة الجسدية والنفسية. لذلك يعتبر التدخين نوع من أنواع الإدمان وكذلك المسكرات بأنواعها، وقد يدمن الإنسان على الإنترنت وصفحات التواصل الإجتماعي أو المواقع الإباحية، وقد تجد بعض الشباب يعاني من الإدمان على العادة السرية وغيرها من أشكال الإدمان.

أما المخدرات الرقمية فهي عبارة عن مقاطع صوت أو صوت مدمج مع صور (فيديو) يتم بيعها عبر مواقع خاصة على شبكة الإنترنت بأسعار تتراوح بين 10 الى 30 دولاراً، ويقال بأن لها مفعول مشابه لمفعول بعض المخدرات التقليدية والأدوية والعقاقير المهدئة. فمن ناحية المبدأ؛ نعلم جيداً ان أعصاب الإنسان وجهازه العصبي مرتبط تماماً بحواسه الخمسة ويتأثر بما يشاهده ويسمعه ويلمسه ويترك ذلك أثراً في نفسه ويقوم الجهاز العصبي برد فعل يتناسب مع معطيات هذه الحواس. فمن المعلوم أن الإنسان يرتاح نفسياً لمجرد سماعه القرآن الكريم، وتسترخي أعصابه لسماع صوت المياه الهادئة أو العصافير أو الجلوس في الطبيعة الجميلة.

 ويستنفر الجهاز العصبي بشكل كبير عند سماعه للموسيقى الصاخبة أو الأصوات النشاز، والكثير منا له تجاربه في الإستماع للموسيقى في الأعراس عبر مكبرات الصوت وما تحدثه من صداع وتوتر، هذا بالإضافة الى الصوت الذي يخرج من الطبشورة على السبورة في بعض الأحيان وما تحدثه من إستنفار للجهاز العصبي ويتبعه رد فعل عفوي على باقي الجسد.

فإذا تمكن البعض من تطوير موسيقى أو أصوات معينة تقوم بتهييج أعصاب محددة وهي ذاتها الأعصاب التي تتأثر بالمخدرات التقليدية والمعروفة مثل البودرة والحبوب بأنواعها نكون قد وصلنا الى شكل جديد من أشكال المخدرات.

وإذا قام الشخص بالإستماع المتكرر الى هذه الموسيقى والأصوات والتعود عليها لإستنفار الجهاز العصبي وتحفيزه يمكن إعتبار هذا الشخص مدمن رقمياً.

ولكن تأثير المخدرات الرقمية يتطلب بحسب منتجيها ظروفاً خاصة في محيط موقع الإدمان للوصول الى الإستنفار التام للجهاز العصبي وتحفيزه مثل الإنارة الخافتة جداً أو تغطية العينين والإسترخاء التام للوصول الى نشوة مشابهة لنشوة المخدرات التقليدية على حد زعمهم.

وعند إستماعي لإحدى التجارب التي خاضها أحدهم في تجربة تعليمية للمخدرات الرقمية وما تحدثه من تأثير قال: " أحسست بألم في مقدمة رأسي وكدت أغيب عن الوعي، هذا بالإضافة الى حالة الصدمة والذهول التي أصابتني جراء الأضوية والأشكال المستخدمة في مقطع الفيديو وتداخلات الأشكال مع بعضها البعض وصخب الموسيقى وسطوع الإضاءة وشدتها".

وإذا كانت المخدرات الرقمية حقيقة ام أوهام وجب علينا التنبه المبكر في بلادنا الى هذا النوع من المخدرات وضرورة التعاطي بجدية وإهتمام لضمان عدم إنتشارها وإستفحال المشكلة. ووجب على الأجهزة الأمنية المختصة في مجالات مكافحة المخدرات والتي تقوم بعمل صعب وجهد كبير ضرورة دراسة الموضوع بحذر شديد وأخذه عى محمل الجد من خلال الإستفسار من الدول المحيطة والتي كانت قد أعلنت عن وجود حالات إدمان لهذا النوع من المخدرات، هذا بالإضافة الى تخصيص فريق عمل لمراقبة تلك المواقع التي تبث هذا النوع من المخدرات وحجبها لضمان سلامة النشئ القادم وصحته العقلية والجسدية.

ويقع واجب كبير على أولياء الأمور في مراقبة أبناءهم وذويهم وعدم تركهم لفترات طويلة على صفحات الإنترنت حتى لا تسول لهم أنفسهم في تجربة هذا النوع من المخدرات، وكذلك معرفة رفاق الابناء وصحبتهم وتوعيتهم بضرورة الإبتعاد عن أصحاب السوء، بالإضافة الى التعاون مع شركات خدمة الإنترنت والإتصالات في حجب هذه المواقع ولو على صعيد شخصي.

في النهاية أقول، لقد تعددت أشكال الإنحراف وتنوعت وبعضها قد أصبح له علاقة كبيرة بالتكنولوجيا والإنترنت، ومهما كان نوع الإنحراف لا بد من الإبتعاد عنه وإتباع تعاليم الدين الحنيف والبحث عن الرفقة الصالحة التي تحض على المعروف وتنهى عن المنكر بكافة أشكاله.