مفارقة التّهويد والعَلْمَنة
تحت شعار تهويد الدولة، سعت اسرائيل منذ
وقت ليس بالقصير الى حذف واقصاء اعضاء الكنيست من العرب، وذلك انسجاما مع استراتيجية
الحذف لأكثر من مليون فلسطيني، ثم مهدت للتطهير العرقي في مجال العمل بدءا من عسقلان
وأخيرا واصلت اصرارها على ان القدس عاصمة ابدية للدولة اليهودية، والمفارقة في كل ذلك
هي ان الدين يوظف لاهداف تتجاوز العلمانية الى البرغماتية، فقادة الدولة العبرية ليسوا
حاخامات بل ساسة وجنرالات يحتكمون في كل شيء الى معايير الربح والخسارة، والتحالف مع
الشياطين اذا تطلّب الأمر ذلك، وافتضاح توظيف الدين في المشروع الصهيوني لم ينتظر قرنا
كما يتصور البعض، ففي كتابات رواد هذا المشروع تفوح رائحة لا علاقة لها بالسماء والكيبوتس
في النهاية ليس معبدا بل هو مصنع لتفريخ مستوطنين ومجندين مما دفع اكثر من كاتب وكاتبة
في اسرائيل الى القول بأن الدولة عندما تصبح ثكنة فقط فإن المستقبل ليس حليفها، قال
ذلك بوضوح اسرائيل شاحاك الذي قام بتهجير معادلات الكيمياء من الطبيعة الى التاريخ،
لهذا وصف بالعقوق شأن آخرين من اليهود الذين ادركوا بأن ما سمي ارض الميعاد ليس في
حقيقته سوى فخ او كمين لأجيالهم القادمة، وكانت الكاتبة يائيل دايان ابنة الجنرال دايان
قد حذّرت الصهيونية من الافراط في التربية الاسبارطية، خصوصا في روايتها « طوبى للخائفين « والتي تنتهي فيها الى القول بأن
التربويات الصهيونية التي حاولت حقن الاطفال اليهود بأمصال مضادة للخوف ادّت الى نتائج
معكوسة، فمن لقّنوا بأن عليهم ان لا يخافوا اصبحوا يخافون من ان يخافوا وبالتالي تحوّل
الخوف الى فوبيا عصفت بأعصابهم فكانت تلك النتائج المأساوية من الانتحارات وفرار المجنّدين
وتفشيّ الشذوذ .
تهويد الدولة سباحة مضادة لتيار التاريخ،
ووضع التكنولوجيا في اقصى تجلياتها في خدمة الميثولوجيا من شأنه ان يخلق (شيزوفرينيا )تتحول بمرور الوقت الى وباء نفسي
واجتماعي، وما قدم في اسرائيل على انه (يوتوبيا) تجتذب المهاجرين تحول الى ديستوبيا
او مدينة راذلة وليست فاضلة .
هذا ما تقرره ثقافة نازفة وهوية تقضم نفسها بدءا مما يقوله اليهود الشرقيون او السفارديم مرورا بما يصدر عن الفلاشا الذين حرموا من التبرع بالدم لأنهم من سلالة غير بيضاء او من الاشكيناز . ان اسرائيل بالسعي نحو التهويد انما تنتحر كدولة كي تعود الى حركة او جيتو كبير !!