من أطلق الرصاصة القاتلة على وصفي التل؟
أظن أن قصة الشهيد الكبير وصفي التل لم تكتب بعد؛ أعني الرواية الكاملة لاغتياله في القاهرة قبل 43 سنة، وبكل تفاصيلها.
عند مدخل فندق الشيراتون وسط القاهرة، فتح مسلحون النار على التل وهو يهمّ بالنزول من السيارة، للمشاركة في مؤتمر وزراء الدفاع العرب، وتوفي على الفور. ذلك هو مختصر الرواية السائدة عن عملية الاغتيال.
كان الأردن خارجا للتو من أزمة السبعين، ولم يكن صعبا تحديد الجهة التي تقف خلف استهداف وصفي التل؛ إنها جماعة "أيلول الأسود" التي تأسست بعد الخروج القسري للمنظمات الفدائية من الأردن. وقد أعلنت بالفعل مسؤوليتها، واحتفلت بالإنجاز.
لكن من أطلق الرصاصة القاتلة على وصفي؟
ظل هذا الأمر لغزا محيرا حتى يومنا هذا. البديهي فيما حصل، أن يكون الشهيد قضى برصاص المسلحين الذين فتحوا نيران أسلحتهم قرب مدخل الفندق. لكن تقرير الطبيب الشرعي يشير إلى أن سبب الوفاة رصاصة انطلقت من مكان بعيد.
حسب التحريات الأردنية، اشترك في عملية الاغتيال خمسة أشخاص؛ أربعة تولوا تنفيذ العملية، وخامس خطط لها. تعرفت الأجهزة الأمنية الأردنية على أسماء الخمسة، وجرت ملاحقتهم بعد ذلك. وقد تمكنت المخابرات الأردنية من النيل من المنفذين الأربعة، فيما قضى الخامس على يد جماعة أبو نضال لاحقا.
كانت علاقات الأردن مع النظام المصري متوترة في ذلك الوقت، وثمة أدلة قوية على تورط نظام السادات في عملية الاغتيال، وتستر أجهزته الأمنية على الجناة وتقديم التسهيلات لهم. وقد تناول وزير الداخلية ومدير المخابرات العامة الأسبق، نذير رشيد، ذلك بالتفصيل في مذكراته التي نشرها قبل سنوات. رشيد كان قد حذّر وصفي التل من السفر إلى القاهرة، بعد معلومات وردت لجهاز المخابرات الذي كان يرأسه حينها، بوجود مخطط لاغتيال التل. لكن الأخير رفض الامتثال لنصيحة مدير المخابرات وغيره من المسؤولين، وأصر على التوجه للقاهرة.
لكن، وكما أشرت في البداية، ما تزال التفاصيل غامضة، والأسئلة كثيرة من دون إجابات.
ما نوعية المعلومات التي وردت لجهاز المخابرات الأردني بهذا الخصوص؛ وما هو مصدرها، وما مدى صدقيته؟ هل أطلع وصفي التل على معلومات مكتوبة بهذا الشأن، أم مجرد بلاغات شفوية؟
ماذا يحوي أرشيف المخابرات الأردنية من تفاصيل لم تنشر عن الحادثة؟ وهل تمكنوا من كشف لغز الرصاصة القاتلة، ومطلقها؟
العلاقات مع مصر عادت وتحسنت فيما بعد؛ فهل حصل الأردن على معلومات من جهاز المخابرات المصري، وما مضمونها؟
إن لم يكن ذلك قد حصل في الماضي، فعلاقاتنا اليوم مع مصر تمر بمرحلة ذهبية غير مسبوقة؛ هل نفكر ونحن نحيي ذكرى استشهاد التل، أن نطلب من الأشقاء المصريين فتح أرشيفهم لنعرف دقائق الأمور؟
لقد مضى على حادثة الاغتيال 43 عاما. بهذا المعنى، لم يعد هناك سبب لإبقاء السرية مفروضة على ملف اغتيال وصفي التل. ذلك أن غياب الرواية الرسمية الموثقة والمفصلة، فتح الباب لادعاءات كثيرة، واتهامات طال بعضها شخصيات أردنية قيل إنها تقف خلف اغتيال وصفي التل.
الوفاء لدم الشهيد وصفي التل، وذكراه ورمزيته لكل الأردنيين، تبقى بلا معنى إذا لم نحصل على الرواية الكاملة لاغتياله في القاهرة.