الكرامة قبل الخبز أحيانا !!!



في ظل الاجواء السياسية المشحونة والمتفجرة في منطقتنا العربية ، وما رافقها من تغييرات جوهرية لبعض الانظمة العربية المستبدة وسقوط بعض الحكام العرب – والبعض الاخر في طريقة للسقوط -  والذين جثمو على صدور الشعوب العربية لعشرات السنين تحت مسميات " الريس الاوحد " و " القائد الرمز" و" قائد الثورة "  ، يقف المرء في وقفة تأمل لما جرى ويجري ، مستذكرا الماضي ومارا بالحاضر ومستشرفا للمستقبل عله يستطيع رسم صوره واضحة المعالم وقابلة  للفهم .

القاسم المشترك الاعظم للانظمة الساقطة وتلك الايلة للسقوط ، هو كبت الحريات وتكميم الافواة والظلم الاجتماعي وتغول الاجهزة الامنية على كل مفاصل الحياة في هذة الدول وقيادتها لمسيرة العمل الرسمي الحكومي  ، وعدم تكافؤ الفرص بين المواطنين ، وتوزيع المناصب على الحلقات الضيقة من الحاشية المقربة ، ونهب خيرات البلاد والعباد وازدياد مستويات الفقر والبطالة ، كما تتناغم هذه الانظمة بوجود أبواق دعائية اعلامية رسمية تسبح بحمد الرئيس أو الزعيم صباحا ومساء ، وتمجد انجازاته الورقية وبطولاته الوهمية ، وتدعو له بطول العمر ، وتبعث برسائل بين الفينة والاخرى بأن ابن الرئيس جاهز لمواصلة مسيرة أبيه من أجل خير الامة ومستقبل أجيالها !!! ، وبأن السيدة الاولى أفنت عمرها في دعم مسيرة العمل التطوعي والاجتماعي ولا تبتغي غير مرضاة الله !!!!

خطوة تجميد الاصول المالية في دول العالم المختلفة للزعماء العرب الساقطين وحجم هذه الاصول المقدرة بعشرات المليارات وأحيانا بمئات المليارات ، كشفت حجم الجشع والخيانة التي مارسوها خلال حكمهم لدولهم بدون وازع ولا ضمير ، فهذه الدول تئن تحت وطأة مديونيات كبيرة تثقل كاهلها وتعيق تقدمها ونموها ، وهناك عشرات ومئات المليارات محفوظة في بنوك دول العالم !!! كما أن اكتشاف العديد من السجون ومئات بل الالاف السجناء السياسيين في سراديب تحت الارض في دوائر مباحث امن الدولة ومقار البوليس السياسي يثبت بما لا يدع مجالا للشك حجم الظلم الذي مورس لعقود طويلة بدون حسيب أو رقيب !!!


ما جرى ويجري لا يمكن توصيفة بثورة " الجياع " فقط ! (وان كان الجوع كافرا،  بل لعله ابو الكفار ) ! ما جرى ويجري هو ثورة من اجل كرامة المواطن العربي التي هدرت لعقود ، هو انتصار لحرية الرأي والتعبير الغائبة منذ أمد بعيد ، هو بحث عن الذات التي أرهقها الذل والخنوع والاستجداء والاسترضاء ، هو بحث عن المشاركة في تنمية الاوطان بعدالة اجتماعية تبعث على الراحة والطمأنية ،  هو مصالحة مع النفس الانسانية التي ترفض رغيف الخبز على حساب كرامتها المهدورة !!!

ما جرى ويجري من استنفار لكامل طاقات الاجهزة الامنية لمواجهة الشعوب في هذه البلدان يكشف عن حقيقة وهدف تشكيل مثل هذه الاجهزة ! ولماذا هي مجهزة ومدربة ومسلحة بشكل يفوق الجيوش النظامية بعشرات المرات ! ما جرى من استسهال اطلاق النار الحي على المتظاهرين وقصف الثوار براجمات الصوراريخ والطائرات والبوارج الحربية ، يثبت أن هذه الانظمة فاقدة للشرعية منذ لحظة استلامها للحكم ! بل ويرسم ألف علامة استفهام عن كيفة وصولها لسدة الحكم أصلا ! اذ لا يعقل من حاكم ولد من رحم المعاناة ومن بين الشعب أن يصل به الامر الى قتل شعبة بهذه الوحشية .

نحن في الاردن لدينا نموذج مختلف في الحكم والقيادة ، ولدينا نموذج مختلف في التعبير عن الرأي الاخر والمعارضة ، فالقيادة واعية جدا وقريبة من نبض الشارع ،ولم يسجل في تاريخ  القيادة الهاشمية  أنها أسالت دما لمعارض أو قتلت حتى في أصعب  فترات الحكم ،  والمعارضة الاردنية -عاقلة - تعرف ما يخدم الوطن وما يضرة ، ومسيرة الاصلاح التي بدأها جلالة الملك وطالب بها، لا تتم بين ليلة وضحاها ،    نحن في الاردن ،  قد نختلف في كل شيء وعلى كل شيء ، لكننا نتفق جميعا على حب القائد وعشق الاردن . الاردن الوطن ، هذا البلد الصغير بجغرافيته ومحدودية مواردة وقليل مواطينة ، كبير جدا بهمة أبنائة وتلاحم مكوناته والتصاق سكانة بترابه ومائه وهوائه! من يريد أن يعارض ، فاليعارض وليرفع صوته وليبدي رأيه ، لكن لتكن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار ، ولنعلم جميعا ، أننا في الاردن لنا خصوصية بحيث لا نحتمل مزيدا من المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات ، فكل دقيقة تضيع ، نخسر فيها ويخسر فيها الوطن ، ولنبتعد عن سياسات التخوين وقذف الاخر بما ليس فيه .

مسيرة الالف ميل تبدأ بخطوة ، وها نحن قد بدأنا بالمسير ، فرفقا بالوطن يا سادة ، ورفقا بكل الخيرين من ابناء الاردن ، ومعا لرص الصفوف وتمتين الجبهة الداخلية ، جنبا الى جنب لتعزيز مسيرة الاصلاح وكشف الفساد والمفسدين وجمهور الانتهازيين والمتربصين بأمن وسلامة أردننا الغالي . عاش الاردن حرا عزيزا وحمى الله قيادته من كل سوء .