إضاءة على رواية " أهل الجبل " للأديب الفلسطيني أ. إبراهيم جوهر / صابرين ع.ف

اخبار البلد - بقلم صابرين فرعون

يبدأ أ. إبراهيم جوهر بإخبارنا عن " أم علي " و هي ترمز لفلسطين .. و كل أنثى فلسطينية .. هي الوطن والأرض  وهي الأم والأخت .. هي رمز للنضال والأصالة في زمن صار أحمر الشفاه هو هوية الأنثى " المودرن " في حين كانت جداتنا من الجيل السابق هن أم علي .. أم علي هي ذاكرة قضية وشعب ووطن .. أم علي الشخصية المتخيلة التي تعتبر جانب الوعي والإدراك وصوت العقل الذي يتحكم بالعواطف والمشاعر .. تندرج الرواية تحت أطر متعددة : البحث العلمي من خلال التساؤلات التي تقود الحدث الرئيسي , والرواية الواقعية بشخوصها وأحداثها , والرواية السلوكية التي تتحدث عن القيم والأخلاقيات والعادات .. ويوميات " الحرب على غزة " ..

يبدأ التشويق من حلقة غموض حيث يبدأ الخطاب السردي يوضح علاقة الجبل بالأنا الآخر " الصحفي والباحث  " والذي يقوم  بالقص والسرد للرواية ويساعده في ذلك أهل الجبل وخاصة سعيد الظافر.. من تلك الحلقة تبدأ رحلة الاستكشاف و تفصيل الأحداث والتأمل أيضاً ..

الرواية تعالج قضايا عدة أهمها : علاقة الإنسان بالبيئة الطبيعية  , حيث يقترض من بهاء تضاريس مدينة الخليل الجبلية تناغماً وملامح يرسم بها حيزاً مكانياً للرواية  وأثرها في بناء شخصية أهل الجبل .. تمتاز الخليل بكروم العنب التي تُعتبر من معالمها فلا يخلو بيت في الخليل من دالية العنب , ويمتاز أهل الجبل بالشجاعة والجرأة والطيبة والصبر والعناد ويؤكد ذلك المؤرخ ابن خلدون الذي قسم العالم إلى سبعة أقاليم مناخية في إشارة للأقاليم الجغرافية وتأثيرها في حياة الإنسان ..

يقارن أيضاً بين أهل الجبل وأهل المدينة الذين فقدوا الشعور ببساطة الأمور لمواكبتهم الحداثة والعصرنة والحياة السريعة التي أفقدتنا قيمة ونكهة الفرح بالجهد المبذول في صناعة الحضارة ..

 البعض يهرب من الحياة البسيطة ويفضل حياة المدينة التي تحقق الرخاء الاقتصادي محولاً عجلة التحضر للمدن الصناعية ذات الكثافة السكانية الكبيرة مهملاً الجوانب السلبية التي تؤثر على الصحة والتفكك الأسري الذي تسببه والمسافة في التفاهم والتواصل بين أفراد الأسرة وأنها خيبة للأحلام والطموح حتى اللهجة وطرق التواصل فيها مجزأة ..

كما أن هناك قضية أيدلوجية مهمة تشكل محوراً رئيسياً لدوران الأحداث وهو سبب تسمية مدينة الخليل : لماذا اختارها أبو الأنبياء إبراهيم الذي سكنها في منطقة المسجد الإبراهيمي , الذي سمي باسمه و يحوي مقامه ومقام أولاده الأنبياء اسحق ويعقوب , هي تحديداً من بين كل المدن الفلسطينية ؟

استمد أسماء شخوصه من أسماء حقيقية تربطه بهم صداقة طيبة وأصل لهم أسماء العائلات المشهورة في مدينة الخليل , وكما يشير في روايته في الحلقة السابعة , ذات تاريخ وحياة .. أدخل بعض المسميات و المفردات المهمة من الحياة اليومية للفلسطيني مثل " تمرمغ " بمعنى سقط وتقلب وتمرغ بالوحل دلالة على أهمية التراب للفلسطيني فأول ما امتهنه من الأعمال هو الزراعة والفلاحة..

أمنيات بسيطة هي حلم أهل الجبل ولكن " تجري الرياح بما لا تشتهي السفن " عندما يكون الطموح أكبر من الحياة البسيطة ..  

اعتمد الأمثال الشعبية في كثير من الأحيان فمثلاً "مستبضع التمر إلى هجر " دلالة المثل عدم المعرفة بأحوال الناس أو التخمين والتقدير الخاطئ لأسرار الجبل وأهله، و " من يطلب الحسناء لا يغله المهر " بمعنى الجد والكد في الحصول على الشيء ..

من خلال تسلسل الأحداث والأمكنة من قرى الخليل إلى مدينة رام الله , يسرد بعض التفاصيل المهمة التي تتحدث عن معالم مدينة رام الله تحديداً مانحاً بعداً تاريخياً لهذه التفاصيل فمن خلال الحوار القائم بين أحد الركاب " سعيد الظافر " والذي خاطب به السائق والركّاب يتحدث عن " دوار المنارة " وهو معلم من معالم مدينة رام الله اليوم ويتكون من أربعة تماثيل حجرية على شكل أسود , تم كسر الخامس في الانتفاضة هي ترمز إلى أبناء مؤسس المدينة المهاجر من الكرك ويدعى " راشد الحدادين " , هذه الأسود ترمز إلى أصول عائلات المدينة التي لها دور في الأحداث على الأرض والدولة الفلسطينية .. 

تشتهر مدينة الخليل بالمحاجر حيث يقصون الحجر للبناء .. هنا كان دور إدخال عنصر التشويق بجرعة أكبر مع شكل من الطرافة المحببة للقارئ فسعيد الظافر الذي اتضح من الحوار أنه من بيت أمر قضاء الخليل لمعت برأسه فكرة إعادة صنع تمثال بدل الذي دُمر وصنع واحداً ولكن من فخار وأخذه لرام الله ..

حلمٌ عن آخر يختلف : سعيد يحلم بوضع أسده بين أسود دوار المنارة ويرى مدينة رام الله حلم بحد ذاته !!  في هذه الموقف تحديداً رسالة سامية داخل الكلمات ذات نكهة التحبب وهي توسيع مدارك المعرفة والثقافة حيث يشير الكاتب , كشخصية بلا اسم في الرواية , على سعيد إذا لم يسمح له الجنود بإدخال تمثال الأسد أن يطلقه وهو سيعرف طريقه إلى البحر الميت ونهر الأردن وعين جدي والمقصد منطقة أريحا حيث الهندسة المعمارية الإسلامية في " قصر هشام " وهو معلم من معالم مدينة القمر الفلسطينية .. 

كذلك أشار إلى عناوين لكتب أدبية فلسطينية كانت انطلاقتها من مدن فلسطين تتحدث عن تاريخ مدن الوطن وهي : المجموعة القصصية " كلب البراري " للأستاذ جميل السلحوت ,  و رواية " فرس العائلة " للأستاذ محمود شقير ,    و قصة     " نار البراءة " للأستاذ محمود شاهين ,  و رواية " قبلة بيت لحم الأخيرة " للروائي أسامة العيسة .

يستخدم أسلوب " استعادة الأحداث " فيعود للتفكير في سبب تسمية دورا بهذا الاسم حيث يجيب راشد أحد أصدقاء سعيد فيقول : " إذا جاس أرضها عدو غير مرغوب به فإنها تنتفض وتظل تدور حتى تتخلص منه. "

 يتحدث أيضاً عن أهل الجبل الذين يأكلون غذاءً صحياً ويطيل الله من أعمارهم وهم قامة تمثل الذاكرة الأصيلة والحقيقية للوطن .. مرة أخرى إلى الجبل إلى بلدة " دير سامت " حيث جمع المقتنيات التراثية والتوثيق التاريخي لأرض كنعان من مخطوطات قديمة وألبسة شعبية وتعاويذ والدرهم النادر والذي يساوي ثلاثين ألف دولار .. يوضح سرقة الإرث الفلسطيني كما يخبر عن التصعيد لخنق المدينة ولكن الجبل بيت الثوار وملاذهم في الحروب لا يفك أحجية خرائطه غير أهله ...

يتحدث أيضاً عن " المورفيمات " اللواحق والسوابق اللغوية التي توصل رسائل خفية في الحياة اليومية كما يفعل بائع الأشربة وهو يطيل في نداءه " يااانسوووون " ويقصر عند " قهوة " ..

بالنسبة لزمن الرواية فهو الحرب الأخيرة على غزة التي كانت الأشد من بين الحروب الثلاث , اقتُلع فيها الشجر والحجر والبشر وآل البقية للتشريد والتعب وفقد الأمل .. هذا الصوت , صوت الحرب سُمع صداه أيضاً في مدينة القدس المدينة التي طُوقت بكل أشكال الحصار وما زال أهلها برغم كل الضغوطات يدافعون عنها  ..

الشهيد الطفل " محمد أبو خضير" والذي قدم الكاتب الإهداء لروحه الطاهرة وشهداء غزة  أكبر دليل على حقد مغتصب الأرض وأن سياسة قتل الطفولة جزء من إبادة الفلسطيني وهي جريمة بحق الإنسانية .. هنا يقف عند المقارنة بين ثقافتين لا تلتقيان : ثقافة المغتصَب وثقافة المغتصِب الذي لا يكتفي بقتل طفل واحد بل كل الطفولة ويرتكب مجزرة جديدة في الشجاعية غزة حتى بيوت العبادة لم تسلم من الاعتداءات .

هذه الحرب تركت البشر في صراع دائم بين الفقد والخسارة والآثار النفسية الناجمة عن القتل والدمار.. وأكبر دليل الوثيقة التي كتبها الطبيب النفسي " حاييم مولدوفييتش " , من مشفى الأمراض النفسية الموجود في " دير ياسين " , الذي عالج بيغن وجنود الاحتلال من صدمات الحرب  وهو مغادر عبر مطار بن غوريون اللد حيث كتب على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك رسالة للبشرية تدين المجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني ..

رسالة الكاتب التي أوضحها تصريحاً : " كلٌ يحمل خليله في صدره " .. الخليل بحسب معجم المعاني الجامع : صديق صفي خالص المحبة .. كلٌ يحمل فكرة الوطن بروحه وهي تسكن كل مدينة بصفتها ابنة للأم .. ونحن نسكن كل المدن .. تحيا بنا ونصنع أثرنا فيها .. 

لغة الرواية سلسة ومكثفة ..  في كل حلقة يطرح تساؤلات تستثير القارئ للتفكير .. فكرتها إنسانية بحتة وهي تدوين الأحداث في ذاكرة الأرض التي هي أساس كل حرف يكتبه الأستاذ إبراهيم تكريماً للشهداء ..

أ . إبراهيم جوهر أديب فلسطيني حاصل على درجة الليسانس في اللغة العربية ودبلوم تربية من جامعة بيت لحم وشهادة الماجستير في أدب الأطفال من جامعة القدس أبوديس عمل محاضراً في كلية هند الحسيني للبنات القدس .. أسس ومجموعة من أدباء ومثقفي القدس ندوة اليوم السابع المقدسية و التي يديرها . صدر له : قصة للأطفال " الديك المغرور " , دراسة " الأرض في القصة القصيرة الفلسطينية " , مجموعة قصصية قصيرة " تذكرة سفر " , دراسة مشتركة " الثقافة والانتفاضة " , مجموعة قصص للأطفال " سر الغولة " , قصة للأطفال " قمر سعاد " , قصة للأطفال " صفاء تسأل أيضاً " , أقحوانة الروح – يوميات مقدسية ( يوميات الأرض والإنسان ) , ورواية " أهل الجبل " الصادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع الأردن .