معروف البخيت.. القراءة بيسر


 ليست المرة الأولى التي يتصدى بها رئيس الوزراء السابق معروف البخيت لأحداث الساعة، وخصوصا ما يفعله تنظيم داعش، الذي انتشر كالوباء في الهشيم في العراق وسوريا، ولن تكون الأخيرة.. فالرجل الذي يقرأ الأحداث بهدوء وييسر، يحاول ان يفكك أسرار هذا التنظيم، ويرصد مالاته وتوجهاته، انطلاقاً سعيه الى تجنيب الاردن مخاطره وتبعاته. ورأى البخيت في محاضرته أمس بالكرك ان داعش يشكل تهديدا ماثلا للأردن في حال بسط سيطرته على الأراضي العراقية أو السورية، ويمكن ترجمة هذا الكلام باعتباره "يشرعن" التدخل خارج الحدود، لمنع تحقيق ذلك.. على اعتبار ان داعش يستهدف الاردن عاجلا أو اجلاً. وهو رأي يلقي تأييدا واسعا في صفوف السياسيين ودوائر صنع القرار، استنادا الى أن داعش نفسه اعلن عن نيته تلك، ولم يخفها، وبالتالي من الضروري التحسب لأي تمدد لداعش خارج الحدود، كما يلقى معارضة من القائلين بأن هذه الحرب "ليست حربنا". من النقاط المهمة الاخرى التي ذكرها البخيت ان خطورة داعش إنما تكمن في تشويهه للاسلام الحنيف وتقديمه صورة مضللة عنه. وهي وجهة نظر يتفق بشأنها غالبية الأردنيين، فما نراه من تقديم التنظيم للاسلام لا يتفق مع ما نعلمه عن الدين ولا مع الفطرة الانسانية، ولعل مكمن الخطر في كون تلك الصورة الداعشية تلقى أحيانا رواجاً في صفوف أنصاف مثقفين والمتعلمين، وفي بيئات يشكل الجهل والاحباط والفقر والبطالة وفقدان الرؤية وانعدام البوصلة قاسمها المشترك. أما كلام البخيت عن ضرورة التفات الأردن لجبهته الداخلية وتقويتها لمواجهة كل التهديدات التي يتعرض لها من الخارج، وذلك بتقديم الهوية الوطنية الاردنية الجامعة كاطار لوحدة الدولة وتنمية المحافظات، فهو كلام صائب في وقت مناسب. فالجبهة الداخلية هي الرديف الحقيقي والاساس الصلب للجيش الذي يقف على الحدود، وإذا كان جرى، خلال سنوات، التغاضي عن بعض الامور ، فيتعين البدء بمشروع يضع النقاط على حروف هذه الوحدة الوطنية، وينحاز لها. وأجد ان البخيت الذي يلتقي مع رئيس مجلس الاعيان عبد الروؤف الروابدة ورئيس مجلس الاعيان السابق طاهر المصري وشخصيات اخرى، كثيرا ما يكررون الحديث في هذا الشأن خصوصا في هذه الايام، ويتعين ان يحولوا الحديث إلى مبادرة وطنية. وفي تعرضه للسيناريو العراقي تبرز تاكيدات البخيت بان العراق "يتعرض حاليا لعدة سيناريوهات بسبب سيطرة هذا التنظيم على جزء من اراضيه، منها تقسيمه إلى دويلات سنية وشيعية وكردية، فيما السيناريو الأسوأ هو ظهور دولة سنية يحكمها تنظيم داعش، بينما السيناريو الأفضل هو نجاح الحكومة العراقية الحالية بإشراك جميع شرائح المجتمع في السياسة العامة للدولة". لكن البخيت يعلم ان الحكومات العراقية المتعاقبة عملت على ترسيخ الشقاق والنزاع بين الطوائف، وهمشت واقصت المكون السني، ولا يبدو بعد التكريس والتشظي الذي حدث ان ثمة افقاً لعملية سياسية جديدة قومها اشراك كل الشرائح، حتى لو وجد العزم والارادة، فهذا أمر يحتاج الى سنوات من العمل الجاد لاعادة بناء الجسور المقطوعة حالياً.. كما يحتاج إلى حسن النوايا. صحيح ان خطر داعش دفع اطرافا عراقية الى التجحفل مع الجهد الحكومي لوقفه، بيد ان لا شيء يضمن ان لا تعود "حليمة لعادتها القديمة" بعد زوال الخطر، وتدير بغداد ظهرها ثانية للمكون السني، وهي مخاوف مشروعة . لا أظن عاقلا يمكن ان يتجاوز عن كون داعش يمثل خطراً حقيقيا على الأردن ، وأن الأردن القوي لا يدافع عن مواطنيه فحسب وانما عن فلسطين ايضاً، ودولا عربية يستهدفها داعش ايضاً. وبذا أصاب البخيت.