ما بعد بني ارشيد
في البدء؛ اعتقال وتوقيف رجل سياسي بناء على رأي او موقف مرفوض بالمطلق، هذا لا يعني ان لا يحاكم اي انسان اذا خالف القانون، واذا كان نائب المراقب العام للاخوان المسلمين زكي بني ارشيد قد خالف القانون، فمحاكمته واجبة، لكن امام القضاء المدني، ومن دون تسييس للقضية.
حتى اللحظة قيل الكثير في توقيف بني ارشيد، وقيل ايضا ان القضية ابعد من التوقيف الى اعادة تشكيل العلاقة مع جماعة الاخوان المسلمين، وقد تصل الى مرحلة التجريم، مثلما فعلت مصر والسعودية والامارات.
بداية، لم يكن بني ارشيد موفقا في الهجوم الشرس على دولة الامارات، ولم يُعيّنه ــ على حد علمي ــ التنظيم الدولي للاخوان ناطقا باسمه، ويَعرف بني ارشيد اكثر من غيره طبيعة العلاقة والتحالف الاردني الاماراتي، وبما ان الاخوان لا يزالون يعتبرون انفسهم ضلع المثلث الذي يرتكز عليه النظام السياسي في الاردن، فعليهم ان لا يخطئوا في المواقف والتصريحات التي تستفز النظام، بل تزعج حلفاءه.
الاسبوع الماضي وفي عز معركة الاقصى، التي غاب عنها الفعل الاحتجاجي للاخوان، وبروز الدور الاردني الذي ردع تعنت نتنياهو، يخرج اعلام الاخوان في الاردن بموقف يشيدون فيه بالزعيم التركي اردوغان، ودوره في قضية الاقصى من دون اية اشارة الى الدور الاردني.
من دون ادنى ذكاء سياسي، يستخدم الاخوان خطابا مستفزا، ولا يستمعون الى نصائح من وزن نصيحة مهاتير محمد باعادة المراجعة لمواقف الاخوان في المناطق التي هزموا فيها، ولا يريدون ان يفهموا حقيقة الاوضاع الداخلية التي يمرون فيها، فيهربون من ازمة الداخل الى اختلاق ازمات خارجية، متوهمون انها سوف تعود عليهم بالشعبية.
ماذا يدور في عقل الدولة الاردنية بخصوص قضية الاخوان، لا احد يستطيع ان يحسم مآلاته، لكن متخذ القرار في الاردن يعرف جيدا حقيقة الاوضاع داخل الاخوان المسلمين، ويستثمر في ذلك، وعلى الاخوان ايضا ان يعرفوا خطواتهم المقبلة جيدا، والى اين هم سائرون.
في اعتقال بني ارشيد، انكشف حال الاخوان اكثر واكثر، وحتى البيان السطحي الذي صدر عقب الاعتقال، يكشف عن حقيقة ازمة الاخوان في الطبقات العليا، والصمت المطبق وانتظار فعل الدولة وقرارها يدل ايضا على ان الرسالة وصلت بوضوح، "اذا لم تفهموا وتتراجعوا فسوف تفهمون بالقوة".
بني ارشيد، وهو صانع السياسة الفعلية داخل الاخوان، استقبل اعتقاله بانها فرصة لخلوة مع الله، وهو يحتاجها مثلما نحتاجها جميعا، لكن في السياسة كان على الاخوان ان يوفروا هذه الخلوة قبل اعتقاله ويجروا مراجعة شاملة لمسيرة عملهم في السنوات الماضية، ورؤاهم للسنوات المقبلة، وهذا ما تفعله الاحزاب الكبرى عندما تنحني قليلا حتى تمر العاصفة.