الشتم ليس سياسة

زكي بني ارشيد مواطن يمارس العمل الحزبي تحت مظلة جماعة "الإخوان المسلمون" نائبا لمرشدها العام. انتماؤه الحزبي والتنظيمي لا يضعه فوق القانون. وموقعه القيادي في الجماعة لا يمنحه رخصة الإساءة للآخرين على حساب المصالح الوطنية، ولا يحصّنه ضد المساءلة القانونية حين يفعل.
في هذا السياق يجب النظر إلى قرار محاكمته على خلفية الإساءات التي وجهها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. فما كتبه من إساءات وتجريح ضدها ليس نقدا مشروعا. هو شتائم لا ترتقي إلى القول السياسي.
أطلق بني ارشيد شتائمه ضد الإمارات لدوافع حزبية مرتبطة بقرارها تصنيف تنظيم "الإخوان المسلمون" جماعة إرهابية. وجاء تجريحه لها موقفا حزبيا مدفوعا بولائه التنظيمي، لا بأي شأن له علاقة بالأردن ومصالحه. لا منطلقات فعله التي قدمت المصالح التنظيمية على المصالح الوطنية مبررة، ولا أدوات تعبيره الفجة منسجمة مع تقاليد العمل السياسي وخطابه.
بالمقابل، انطلق قرار ملاحقة بني ارشيد قضائيا من اعتبارات قانونية وتقويمات موضوعية مرتبطة بمصالح الأردن الوطنية.
فالعلاقات الأردنية-الإماراتية قوية متنامية سياسيا واقتصاديا وأمنيا. مئات الألوف من الأردنيين يعملون في الإمارات. وتقف أبو ظبي إلى جانب الأردن في مواجهة أزمته الاقتصادية، تقدم الدعم المالي المباشر، وتبادر باستثمارات ترفد الاقتصاد وتخلق فرص العمل. أي مصلحة للأردن في شتم بلد لم يكن يوما إلاّ إلى جانبه؟
إضافة إلى ذلك، يمنع القانون تجريح الأفراد والدول، ويجرم تعريض الأردنيين للخطر. ما كتبه بني ارشيد يسيء إلى مصالح الأردن والأردنيين، ويشكل شبهة خرق قانوني تستوجب المقاضاة.
هاجمت جماعة "الإخوان المسلمون" قرار محاكمة بني ارشيد على أنه جزء من حملة سياسية لمحاصرتها، واعتبرت توقيفه اعتقالا سياسيا في إطار تلك الحملة. هذا موقف لا يصمد أمام الحقائق.
فالجماعة تصعد في العمل السياسي المعارض منذ سنوات. بياناتها ومسيراتها زادت حدة وتحدياً في اللهجة وأدوات التعبير. أزّم ذلك العلاقات مع الحكومة. لكنه لم ينتج أي إجراءات خارج ما رافق عديد أزمات سابقة على مدى عقود العلاقات المتذبذبة انغلاقا وانفتاحا.
ظلّت الجماعة تمارس العمل السياسي رغم أنها مرخصة جمعية لا يحق لها ذلك قانونا. وبقي رد الحكومة على تصعيد "الإخوان" في حدود المعتاد سياسيا. كما لم تخض الدولة معهم معركة كسر عظم رغم تغيّرات إقليمية دفعت باتجاه هذا المنحى. لكن بعض رموز الجماعة استقوى على الدولة وكسر منهجية سجال متوازنة التزمتها قيادات سابقة للجماعة.
من هنا لا يمكن اعتبار اعتقال بني ارشيد استهدافا سياسيا لـ"الإخوان المسلمون". النهج السياسي الذي حكم علاقة الدولة بالجماعة في إدارة أزمة العلاقات الحالية يفند هذا الطرح. اعتقاله جاء تعاملا مع فردٍ ارتكب فعلا فجّا تجاوز في ضرره حدود المقبول، وانحدر في لغته الشتائمية إلى قاعٍ لا ينتمي إلى القول السياسي العام وتقاليد العمل الحزبي.
ليست هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها بني ارشيد إلى لغة تخوينية غير لائقة في توصيف من يختلف معهم. لكن هذه هي المرة الأولى التي يحاسب فيها قانونيا على إساءاته. عدم تفعيل القانون سابقا أنتج ذهنية استهان معها بعضٌ خرقه. وفي سياق تلك الذهنية يمكن قراءة ما قام به بني ارشيد. فهو لم يخشَ التبعات القانونية للإضرار بمصالح الوطن انتصارا للتنظيم الإخواني الدولي.
من أجل ذاك يجب أن تؤدي مؤسسات الدولة واجبها تطبيق القانون، ليفصل القضاء عبر محاكمات عادلة شفافة بتهم خرقه. سيادة القانون ركيزة ديمقراطية. عدم تفعيله مهرب استرضائي يهددها. ولا يجوز أن يوفر الاتهام بالتسييس درعا يختبئ خلفه من يتجاوز على سيادة القانون.
فالأساس أن مصالح الأردنيين تتقدم على كل غيرها من الولاءات الحزبية. والمجال السياسي العام يستحق ممن يمارس العمل الحزبي إثراءه بحوار سياسي فكري، لا تشويهَه بلغة شتائمية.
أما الإمارات فتستمد شرعيتها من شعبها، لا من مواقف بني ارشيد أو أي تنظيم خارجي.