الربيع الأردني..لماذا اختلف؟

اختلفت الآراء والأحكام حول الربيع العربي، بين أنه تعبير عن رغبات الشعب ومطالبه لصالح الوطن والمواطن،أوأنه مؤامرة حيكت في الخارج وتنفذ في ظلام،اضرارا بالوطن والمواطن،ويعتبر الناس الاعتصام أو التظاهر عادة سواء في عالمنا العربي أو في غيره،حالة تعبير شعبي مشروع،تحمل رسالة مفتوحة إلى الحكام،ويسائل الناس أنفسهم في بعض الحالات عن الدوافع التي دفعت إلى ذلك الاعتصام، ويتهامسون أحيانا أو يجاهرون في حالات أخرى،عن الأيدي الخفية عبر الحدود،أو النوايا الخبيثة التي تنسل إلى النفوس،وقياسا على تجارب سابقة يصبح الأمر مصدقا،عندما يتبين زيف الادعاء بمشروعية الاعتصام ويتجلى التآمر على أمن بلد ما،اذ يفعلها الدهماء دون إدراك للخلفية المتوارية،أو يندس بها المغرضون دون إظهار حقيقة النوايا المختبئة،وقد يكون لهم مطالب محقة تجد صدى لها لناشطي حقوق الإنسان،ويكون وقعها أشد إيلاما على القلوب، علاوة على خطرها على الأوطان وضررها عبر الأجيال،كحالات الانقسام والتفسخ والإحلال والإبدال، وغير ذلك مما تفرضه المفاجأة في خضم الفوضى الخلاقة التي بشر بها النظام العالمي الجديد، الذي يتخذ من العولمة حصان طروادة المعاصر.

أما الأردنيون فلا يرغبون بأن تتحول شوارعهم إلى حقول لاستنبات فتنة تبذر الانقسام،أو مسيرات تدفع لخرق النظام والانتظام، أو الاعتصامات التي تزور الإرادة الشعبية وتخرجها عن مألوفها.فلدى الأردنيين وسائل سلمية آمنة للتعبير عن الرأي بطرق هادئة وراقية،وإن أرادوا أن يضغطوا سياسيا من أجل قرارات لصالحهم أو من أجل خطة لصالح مستقبلهم، فان لديهم وسائل ضغط تتجنب العنف المتبادل.فالأردنيون بطبعهم متوادون متراحمون لا يواربون ولا يختبئون ولا يتسترون،صريحون بالقول ثابتون على الموقف،ولذلك لا يتاجرون بالدين ولا يتظاهرون بالإيمان،فهم يؤمنون بالعمل المنتج والتحرك المكشوف،يدركون معنى قول رسول الله عليه الصلاة والسلام من أن المؤمن كيس فطن،فالكياسة تمد العلاقات الاجتماعية البناءة،والفطنة تعمل العقل لإنتاج خلاق.
ان الأردنيين يستمعون الى الشائعات ولكنها لا تخطفهم ولا تهيجهم، ولا يأبهون بما تنقله القنوات التلفزية،ولا يأخذون عن وسائل التواصل دون تمحيص، ولا يلتفتون لمحاولات معالجة القضايا الراهنة عن طريق الرجم بالغيب وفبركة الروايات التاريخية،لأنهم لا يتعاملون مع الحضارة والتاريخ والواقع بطريقة ساذجة،فلا ينساقون الى الإصلاح بالسلاح والهتافات والانقضاض،ومقتنعون بأن الإصلاح لن يتم باتساع الأفواه وانغلاق العقول وقساوة القلوب؟ إن الاردنين الذين ينادون بالإصلاح واعون لمواضع أقدامهم ومدركون لظروف بلدهم،ولا يحاولون قطع الطريق،وخطف المحاولات والالتفاف على النوايا الطيبة التي تعقد العزم على الانجاز الوطني المناسب في الوقت المناسب.
ان الإصلاح الذي نرنو اليه يتطلب اعادة النظر في ظواهر اجتماعية قائمة،وفي حقيقتها سلبية،وان كان التمسك بها والسلوك بالانطلاق منها مستساغا،ولدينا عادات وتقاليد يترتب عليها إجراءات ومواقف، لم تعد صالحة للإتباع في المجتمع المدني الحديث،وخاصة إذا ما سعى المجتمع إلى بناء حياته على احترام حقوق الإنسان،ونشر العدالة الاجتماعية، وسيادة القانون واحترم الدستور.
اننا اذا فرزنا اتجاهات النسيج المجتمعي الأردني، بأطيافه السياسية وألوانه الثقافية،يتبين لنا وجود ثلاثة اتجاهات:الاتجاه الإسلامي الذي يؤشر الى أن الإسلام هو الحل،والاتجاه القومي الذي يؤشر الى أن العروبة هي الحل،والاتجاه الوطني الذي يشير الى أن الأردن أولا.الا أن الجهد الاصلاحي يتطلب أن نجمع بين كل هذه الاتجاهات لا أن نفرقها،ونهتم بها جميعها لا أن نهمل واحدا منها، لنبرز الخصوصية الأردنية بانتمائها للحضارة العربية الإسلامية، وبوجودها كخلية ناشطة،في جسم الأمة العربية،فان تمعننا بالتاريخ وتأملنا للجغرافيا،يدلنا على أهمية جمع الأبعاد،لا الانفراد بواحدة منها وعزل الأخرى،ولا مندوحة للأردن من أن يتكامل بانتمائه–الذي يمثل الجانب المعنوي الروحي- ونمائه–الذي يمثل الجانب المادي النفعي- من حياته الوطنية،وسط محيطه العربي الإسلامي الإنساني ليبلغ أهدافه.ولما كانت المواطنة تشكل الإطار الجامع لعلاقة المواطن بوطنه،تتجلى مثاليتها في المساواة في الحقوق والواجبات،وإعلاء قيمة الحرية وتطبيق مبادئها وقواعدها،وانجاز التنمية الشاملة في إطار العدالة،وباعتبار الديمقراطية فلسفة حياة وثقافة إنسانية وممارسة عملية،تتماشى مع انتشار ثقافة المواطنة،التي تقر بحق المواطن بإدارة الشأن العام،وكفلها الدستور باقراره حق الأردنيين في تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية،وأن الدولة تكفل حرية التعبير والمشاركة في الحياة العامة وممارسة المواطنين حقهم الانتخابي. وهكذا تترسخ قيم المواطنة على أساس العقد الاجتماعي،ومبدأ التشارك، لتشكل طاقة مجتمعية تنظم المواطنين للعمل بفاعلية، وقد ازداد لديها الحس المدني وتأصلت قيم المساواة والتعاون.