نقابة المعلمين وقصة الاستعانة بتفسير الدستور !

.. لم تجد حكوماتنا الرشيدة ومنذ عقود صيغة رفض إقامة نقابة للمعلمين إلا بالاختفاء خلف الدستور الأردني ليقول كلمته الأخيرة في إقرار أو رفض النقابة التي تسطع في كل دول العالم باستثناء الأردن ، والغريب العجيب أن توجيه السؤال إلى المجلس الأعلى لتفسير الدستور حول دستورية إنشاء النقابة لم يكن بحاجة إلى حوار ونقاش من قبل النواب قبل أيام ليقرروا بالتصويت رفع الاقتراح إلى المجلس الأعلى ولنسمع من خلالها  المزايدات والمراهنات على من يكسب ود الحكومات   ، وقد استطاع وزير العدل حسين مجلي تعديل صيغة السؤال الذي كاد ولو بقي كما اقره النواب تعطيل تأسيس النقابة ولجاء رد المجلس بعدم دستورية النقابة ! ورغم ذلك التعديل فلا زالت أنظار المعلمين تتجه لقرار المجلس الأعلى الذي يخشون من رده بشكل سلبي ليجري البحث عن بديل أخر تعد له الحكومات منذ فترة على غرار الأندية التي تم تأسيسها قبل عقود ولكن بمساحة اكبر  قليلا في نظامها وأهدافها وبما لا يلبي طموح  معلمو الوطن الساعون لتأسيس نقابتهم .

لا زالت  مرجعية تفسير  إي نص او مشروع قانون, سواء أكان ذلك إيجاباً أم سلباً أن يتم بموافقة ستة أعضاء على الأقل من بين تسعة أعضاء  في المجلس الأعلى لتفسير الدستور وأحيانا يتم دون توافر نصاب الحضور بالكامل،   وقد تخضع تلك التفسيرات لاعتبارات المزاج والحضور والقناعة والضغط وحتى الموقف  الشخصي  وبالتالي تأتي مطالبة الناس بضرورة إنشاء محكمة دستورية للنظر بتلك القوانين ومشاريع القوانين ومدى دستوريتها  امرأ ملحا من اجل مأسسة المجلس على غرار دول العالم التي  أسست لمجلس دستوري راق لمعالجة تلك الإشكالات إن وجدت .

وبالعودة إلى حراك المطالبة بنقابة المعلمين فقد وجد المعارضون لها إطلاق تهم معدة سابقا ومنذ عشرات السنين وهو  السعي بها  بهدف تحقيق  أغراض سياسية بحتة  لمجموعة القوى المطالبة بها متناسين ان أهدافها مرتبط بالنهوض والارتقاء بمهنة التعليم وتوفير الأمن الوظيفي للمعلمين وحماية حقوقهم المشروعة والدفاع عن مصالحهم وتحسين ظروفهم وتوسيع وتدعيم الضمانات القانونية للمعلمين, لحمايتهم من التعسف وبالتالي يعكس نفسه بشكل ايجابي على مجمل العملية التعليمية في البلاد  وذلك تطبيقاً لأحكام الدستور والذي ينص, على أن الأردنيون متساوون في الحقوق والواجبات إذا تماثلت ظروفهم ومراكزهم القانونية بما فيهم المنتسبين للنقابات المهنية المختلفة, سواء أكانوا من الموظفين أم من العاملين في القطاع الخاص ، فكيف أجاز الدستور الأردني في المادة 23  للأردنيين للعاملين في المدارس الخاصة إنشاء نقابة لهم فيما حرمت  تلك النقابة على العاملين في مدارس وزارة التربية  !

إن الاختفاء خلف الدستور والمجلس الأعلى لتفسير الدستور الذي شاهد المواطن وعاش لحظات تجاوز نصوصه والاعتداء عليه من خلال ما تم تجاوزه من تعيينات في مناصب عليا لمواطنين غير أردنيين لا تتوافق ونصوص الدستور كما حصل في العديد من التعيينات التي تمت في عهد السيد سمير الرفاعي والتي خالفها وزير الداخلية حينها دون ان يؤخذ برأيه او بنص الدستور نفسه وسارت الأمور دون ضجة تذكر  من قبل حتى احرص الناس على احترام الدستور !  أو حتى  في تجاوزات اخطر من ذلك  تمت في  عهد الحكم العرفي سابقا  أو في المماطلة المستمرة في إقرار العديد من القوانين التي تحمي حقوق المواطن  ، كل هذا  بات يتطلب  إجراء التعديل المطلوب على الدستور الأردني ليسمح بتأسيس نقابة للمعلمين وحسم المسألة برمتها والحيلولة دون ترك المسألة خاضعة لمزاجية  وصفاء ذهن الحكومات ورضاها وكذلك في بروز تيارات مختلفة من المزاودين والمعارضين لتأسيس النقابة ليس خشية من حضورها وعملها وحرصهم على الوطن كما يدعون ولكن  بالقدر الذي وجدوها فرصة أخرى تمنحهم مزيدا من الخطاب الإعلامي المدهون بالكذب والدجل لمغازلة النظام وإظهار مدى تمسكهم بالدستور الذي خرقوه بتعدد أشكال  فسادهم وسلوكهم غير المخفية عن عيون الناس وعيون النظام نفسه  .