أصدقاء جدد لـ"فلسطين القضية"
تداولت وسائل الإعلام هذا الأسبوع، خبرين بشأن التضامن العالمي مع قضية فلسطين. الأول، من جامعة برينستون الأميركية العريقة (تأسست العام 1746، وفاز 37 من منتسبيها بجوائز نوبل). والثاني، من الاتحاد الأوروبي. وتتصدر مشهد السياسة الخارجية الأوروبية الآن الإيطالية فيديريكا موغيريني، الواضحة في تأييدها لإقامة دولة فلسطينية سريعاً. والأسئلة تقليدية أمام الخبرين: كيف حدث هذا؟ وما معنى ما حدث؟ وماذا بعد؟
في "برينستون"، فإنّ 60 أو أكثر (العدد يتزايد) من الأساتذة المثبتين في الجامعة (Tenured)؛ أي الذين لا يجدد عقدهم سنوياً ويصعب إنهاء عقودهم، وقّعوا عريضة تطالب بسحب استثمارات الجامعة من شركات تدعم الاحتلال الإسرائيلي. والاقتصار على الأساتذة المثبتين إشارة إلى الخوف من "العقاب" الذي يتعرض له من يبدي رأياً معارضاً للاحتلال ودولته. ولعل قصّة ستيفين سلايطة، الذي سحبت جامعة إلينوي التي يدّرس فيها، عرض عمل له بعد أن كتب تعليقاً مُعارضاً لإسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي، ماثلة في أذهان الأساتذة. وقد سمعتُ في مؤتمر الدراسات الشرق أوسطية في أنقرة هذا العام، أستاذة من جامعة أميركية تقول إنّ إبداء المواقف المؤيدة للمقاطعة في الجامعات الأميركية ربما يجب أن يختص فقط بالأساتذة المثبتين، حتى لا تتكرر قصة سلايطة.
كما هو متوقع، استفز موقف أساتذة برينستون هؤلاء معارضة أصدقاء إسرائيل، الذين وقعوا عريضة مضادة من 100 أستاذ غالبيتهم من غير المثبتين (وهم عادة أقل خبرة). وثار جدل كبير في الجامعة والإعلام.
في أوروبا، نقل الإعلام (الإسرائيلي بالدرجة الأولى) تحذير الاتحاد الأوروبي عقب اجتماع وزراء الخارجية في بروكسل من أنّ "تطور العلاقات المستقبلية مع الشركاء الإسرائيليين والفلسطينيين سيعتمد على انخراطهم لتحقيق سلام دائم على أساس حل الدولتين". ورغم أنّ الخبر يذكر الفلسطينيين، إلا أنّ الإعلامين الإسرائيلي والعالمي توقفا عند التحذير الموجه للطرف الإسرائيلي، في اعتراف ضمني أنّه العقبة أمام السلام.
لا يُتوقع أنّ تؤدي أي من الخطوتين (مع الفارق النوعي والكمي بينهما) إلى أثر سريع وعاجل. فالخطوتان تعنيان، من جهة، المزيد من رفض سياسات إسرائيل الاستيطانية والعسكرية، ورفض تهربها من تسوية سلمية. كما تعنيان أيضا انتصاراً لحملات التضامن والمقاطعة، وتعنيان أنّ الجدل ورفض السياسات الإسرائيلية يتقدم حتى في أعرق المؤسسات الأكاديمية الأميركية التي تصنع قادة المستقبل، وتسهم في صياغة الرأي العام. لكن، ودون التقليل من أهميتهما، لن يكون لهاتين الخطوتين أثر عاجل أو رادع للإسرائيليين في الوقت الحالي. فبدايةً، ما تزال هذه الخطوات لم تصل حدّ طلب صريح بمقاطعة الإسرائيليين، وتكتفي بالمراوحة بين مقاطعة تتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة العام 1967، وبين التلويح بتأثر العلاقة مستقبلا إذا استمرت السياسة الإسرائيلية الراهنة.
أحد الأسئلة المحورية الآن: كيف يمكن أن يستمر الزخم؟ وماذا بعد؟
لا شك في أنّ جزءا من الزخم آتٍ من جهود أفراد وحملات تضامن شعبية عالمية وفلسطينية، ونتيجة للتقدم المتحقق على صعيد تحرك القيادة الفلسطينية في المنظمات الدولية. ومن هنا، فإنّ تفعيل حملات التضامن ذو أثر كبير. إلى ذلك، ربما يجدر التفكير في كيف يمكن القضاء على أسطورة أنّه يمكن التمييز بين الاحتلال ودولته. فرغم أنّ الإسرائيليين يستشيطون غضباً من فكرة مقاطعة المستوطنات وما له علاقة بالأراضي المحتلة العام 1967، إلا أنّهم لن يغيروا موقفهم من الاستيطان طالما أنّ المقاطعة محصورة هناك؛ فهذه الأراضي بكل الأحوال ما يزالون يعتبرونها جزءا من المعركة، وما يزال الجيش الإسرائيلي مسؤولا عنها، بما في ذلك حتى بناء الوحدات السكنية. أمّا لو بدأت المقاطعة تمس كل الشركات حتى العاملة في تل أبيب، فسيختلف الأمر، مع معرفة صعوبة هذا؛ لا لاعتبارات سياسية وحسب، بل ولتداخل الاستثمار العالمي مع هذه الشركات. ولكن تحقيق نصر هنا ونصر هناك يمكن أن يدفع العجلة، كما أنّ التركيز على معاقبة المستوطنين أنفسهم أمر مهم.
من الجيد في السياق التركيز على مسألة أنّ أنصار إسرائيل يحاولون دائماً تصوير الأمر على أنّه مرتبط بالموقف من اليهود، في استخدام لاتهامات معاداة السامية وسوى هذا. ولذلك، فإنّ التركيز على العدالة في القضية الفلسطينية كقضية عليا، أكثر أهمية حتى من الفلسطينيين، أمر يستحق التّحري.