الصفقة الخاسرة ضد ليبيا

 

قبل حوالي ( 800 ) عام تقريبا حكم في مصر الملك الكامل الأيوبي والذي امتد حكمه بين الأعوام 1218م ـــ 1238م ، حيث تعتبر فترة حكمه رغم قصرعمرها الزمني من أطول وأسوء فترة حكم شهدتها مصر وباقي الأمصار العربيات الإخرى والتي كانت خاضعة بإكثريتها لحكم أبناء عمومته من الأيوبيين ، عدا بغداد التي كانت ما زالت خاضعة لحكم آخر الخلفاء العباسيين المستعصم بالله والذى امتد حكمه بين الإعوام 1213م ـــ 1258م ، فقد تميز حكم الملك الكامل الأيوبي بالتآمر المتواصل مع الصليبيين على الأمن القومي العربي الإسلامي ، تمثل بتحريضه الصليبيين على انهاء واجتثاث حكم الإيوبيين الآخرين في أمصار بلاد الشام ، وكان من أخطر ما قام به نظير بقاء حكمه واستمرار حكم أسرته لمصر تسليمه لبيت المقدس دون قتال للصليبيين ، وموافقته على تدمير مدينة عسقلان الفلسطينية الجنوبية والتي كثيرا ما اربكت الزحف الصليبي على مصر وهزمته قبل وصوله إلى سيناء الذهبية .

 

 

ومن جهة أخرى فإنّ آخر الخلفاء العباسيين الذي اقتصر حكمه على بغداد وجوارها كان قد تعرض والدولة العباسية لأخطر خيانة شهدها التاريخ تذكرنا بخيانة المعارضتين العراقية والليبية المستقوية بالأجنبي والمطالبة بشغف لاستعمارالوطن العربي ، كان بطلها الوزير الأول في البلاط العباسي المدعو أبن العلقم ، حيث حرض وطلب من التتار بقياده هولاكو دخول العراق لتخليص الشعب العربي فيه من حكم العباسيين الجائر كما وصفه ، زد عليه طلبه من القائد التتري هولاكو بعد انتصاره ودخوله بغداد وتدميرها وحرقها أن يقوم بقتل الخليفة المستعصم تحت تهمة الخيانة العظمى ونهب أموال الدولة ، وهو ما سجله التاريخ على الخائن ابن العلقم  ولم يرحمه .

 

 

وقبل أقل من قرن من الزمان تعرض القائد العثماني المسلم عبد الحميد الثاني لأبشع مؤامرة اشترك بصناعتها الصليبيين الجدد في روسيا وبريطانيا وفرنسا مع المعارضين الترك اللذين جلبوا الاستعمار الغربي للبلاد العربيات والخزي والعار لتركيا التي نقلوها من العثمانية الإسلامية إلى التركية العلمانية ، حيث حوكم هذا السلطان المسلم لرفضه الديمقراطية الغربية في بلاده ، مع أن الحقيقة كانت لرفضه إعطاء فلسطين لليهود ليقيموا عليها دولتهم ، مع المفارقة أنّ الشعوب العربية في تلك الفترة أيدت الحكم بالإعدام وحرضت عليه .

 

وقبل سنوات خاطب الزعيم العراقي العربي القومي ( صدام حسين ) الشعوب والنظم العربية بأنهم عرضة للاستعمار الجديد وللذراع الأمريكية المحطمة للقومية العربية ، وبأنّ المثل العربي القائل ( أكلت يوم أكل الثور الأبيض ) سيصيبهم من بعده ، حيث سجل التاريخ الحديث إعدام أول رئيس عربي صباح يوم النحر العظيم بعد محاكمة صورية بطلب وتنفيذ من المعارضة العراقية المصنوعة بالخارج الغربي ، وذلك ليس إلا بسبب قصفه لإسرائيل وتهديده لأمنها وللأمن القومي الإمريكي .

 

وما أشبه الأمس باليوم ، حيث دويلة قطر المدعية الإسلامية باتجاه ، والراكبة لموجة القومية والمقاومة باتجاه آخر ، والمنفذة للاستراتيجيات الغربية والصهيونية بكلتا الحالتين ، قيامها وعلنا بقيادة ملف تغيير الأنظمة العربية من الداخل العربي لصالح الخارطة الجديدة المرسومة للعالم العربي ، ولعبها لدور العميل العربي المخلص لسيده ، نظير ابتعاد إسرائيل عن لقب شرطي المنطقة لرفضه تكتيكيا من قبل الكثير من الأطياف العربية العميلة للغرب ، كما وتحريضها علنا باقي دول مجلس التعاون العربي وجامعة الدول العربية ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي على قصف ليبيا وحرقها وتدميرها ، إضافة لنقل الطائرات القطرية للأسلحة المحظورة والمتطورة لأطراف المعارضة الليبية العابثة في أمن الوطن الليبي من مستودعات القواعد الأمريكية المهددة للنفط وللأمن القومي الخليجي خاصة والعربي عامة ، تشابها وتقليدا للطائرات الأمريكية والإسرائيلية التي نقلت القنابل الفسفورية لقتل الشعب الفلسطيني في غزة .

 

 

 

أما لماذا نجحت قطر في مسعاها في كثير من الأوقات والمجالات والساحات وحتى في بعض الشارع العربي ، وفي حرف بوصلة مجلس التعاون الخليجي لاستعداء ليبيا ، مع أنّ أكثر نظمه مستهدفة من الحركات الإحتجاجية المشروعة ومن التحركات الإنقلابية المرفوضة بالمطلق من الجميع ؟؟؟ ، والجواب المعروف الذي لا يمكن لأحد إبطاله أنّ هناك صفقة كبيره ضمنتها قطر مع الجانبين الأمريكي والإسرائيلي من جهة ومع الإيرانيين من جهة أخرى ، وهي أن يقوم مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية بالموافقة والطلب من مجلس الأمن التدخل العسكري في ليبيا وأقلها فرض منطقة حظر جوي عليه ، مقابل تعهد قطر والإعلام القطري بعدم تغطية الأحداث الإحتجاجية أو الإنقلابية في دول مجلس التعاون الخليجي خاصة في عمان والبحرين وفي شرق السعودية التي يقوم السكان الشيعة بإحداثها ، عدا اليمن خاصرة السعودية والخليج الجنوبية الشرقية المستهدفة من بعض الخليجيين والتي تعتبر الخرزة الرابعة المخطط لإسقاطها في النظام العربي .

 

فقد نجحت قطر في مساعيها بادئ ذي بدئ لدى جامعة الدول العربية ، التي وفي سابقة خطيرة ألغت نظاما عربيا لصالح معارضين دون الاستناد على أي أسس قانونية أو شرعية ، مقابل حسابات مصرفية كبيرة وضعت في صندوق الجامعة العربية وفي حسابات بعض مسؤوليها الكبار اللذين يودون أن تكون لهم بصمات قادمة في بلادهم حال عودتهم إليها بعد أن تم تلميعهم قطريا ووصفهم بالقادة الثوار ، وبمقدمتهم عمرو موسى المرسوم أمريكيا لرئاسة مصر بعد فشلهم بتسويق البرادعي .

 

أما أخطر ما قامت به قطر الدويلة والحكم ، فهو نجاحها باستقطاب مجموعة من المحللين السياسيين والعسكريين اللذين يتباهون بمقدرتهم على التحليل الإستراتيجي ، مع أنهم عندما كانوا قادة في الجيوش العربية أوصلوا مصر وباقي الدول العربية للهزيمة في حرب 1967م ، إضافة للمفكر العربي الكبير كما تصفه الحامل للجنسيات الإسرائيلية والقطرية الألمانية ، والذي يتنقل كثيرا بين القومية والإسلامية كما تريد وترغب قطر ، مقابل رواتب شهرية مغرية أو عشرات الآلاف من الدولارات يتلاقاها هو وغيره نظير الحلقات التلفزيونية التي يسجلونها .

 

والنجاح الأخطر الكبير الذي سجلته دولة قطر تمكنها من صناعة رأي عام عربي في الشارع العربي ساهمت بصقله كثيرا قناة الجزيرة ، والتي أقنعت شبابه المغرر بهم بأنهم المقدمات الثورية للتغيير نحو الحرية والديمقراطية الجديدة ، مستخدمة ألفاظ غريبة كمصطلح الثورة التحرير ، وهي المصطلحات التي يجب ألا تستخدم إلا في وجه المستعمر أو في وجه الحكام العملاء التي تحتضن دولهم القواعد الأمريكة والغربية كقطر بالتأكيد .

 

فالهجمة الشرسة التي تتعرض لها ليبيا  اليوم من قوى وأطراف كثيرة مع انكشاف هدفها ، لا تعفي النظام الليبي من مسؤولياته تجاه شعبه والذي يجب أن يهتم بهم وبأحوالهم المعيشية وحاججاتهم الإنسانية والسياسية ، فحضن الشعب الليبي هو الحامي للوطن وحدوده ، وسواعده هي التي تحطم المحاولات الاستعمارية الجديدة الساعية للنفط الليبي والهادفة لاستعمار الشعب الليبي ومصادرة أمكاناته وقراراته ، كما أنّ ذلك يجب أن يكون الدرس المستوحى لجميع النظم العربية المستهدفة واحدة بعد الأخرى بالإلتفات لحاجات شعوبها وخاصة للشبابية منها .

 

 

كما أن هذه الهجمة الشرسة على ليبيا يجب أن تقنع كافة الأنظمة العربية أنّ المد الصهيوني والغربي والشرق الأوسط الأمريكي الجديد والآخر الإيراني الإسلامي الشيعي والعمالة القطرية لإسرائيل والغرب لن تستثني أحدا منهم ، حتى لو قدموا النظام والشعب الليبي قربانا للمقصلة الإمريكية والغربية والإسرائيلية ، وافتداءا ونجاة من الهبة الشيعية الزاحفة الراغبة بتحطيم النظم العربية السنية .

Alqaisi_jotjor2000@yahoo.com