عتب واعتذار


أثار مقالي يوم الاثنين الذي جاء بعنوان «فورة غضب» ردود فعل عاتبة كثيرة، جميعها انتقد المقالة، وبعض المنتقدين ذهب الى اتهامي بتهم شتى.
المقال تحدث عن استحالة تراجع السعوديين عن البصمة الحيوية، التي يتم طلبها من المعتمرين، في الأردن، ويتم طلبها مجددا على الحدود السعودية، وقد اقترحت في المقال تدخل طرف ثالث لحل الإشكالية، وإنهاء إضراب شركات العمرة، دون أن أتخلى هنا عن الدعوة لتخفيف العراقيل، لكن مع إصراري على ان التراجع الكلي يبدو مستحيلا.
الذي حدث البارحة، أن السعوديين قرروا وقف أخذ البصمة الحيوية في الاردن، واخذها فقط على الحدود، وهذا يعد حلا منطقيا ووسطيا، أنصف المعتمرين وأصحاب الشركات ايضا، بعد اجتماع تم عقده في وزارة الاوقاف بين اطراف القضية.
العتب الشديد انهمر علي جراء ما اعتبره كثيرون، تجاوزا على بعض التفاصيل، مثل المشاكل التي يواجهها عشرات الآلاف أمام باب الشركة لأخذ البصمة، ورسوم هذه البصمة، بالاضافة الى قلة عدد مراكز «التبصيم» وتفاصيل اخرى تؤدي عمليا الى عرقلة عمل الشركات وذات المعتمرين، خاصة أن هناك تفاصيل فنية تثبت ان العملية لا تجري بسلاسة، ولا سهولة.
فورة الغضب -كما أسميتها- عادت وتكررت جراء المقالة التي تم اعتبارها غير دقيقة، وغير منصفة، وتميل الى اطراف على حساب اطراف أخرى، وفي كل الحالات يبدو الغضب نبيلا ومقبولا، لايمكن الا احترامه، باعتبار أن من حق الناس، تصحيح المعلومة الخطأ، فالعودة عن الخطأ فضيلة ايضا.
غير ان اللافت للانتباه تلك التجريحات التي يتم تمريرها، وهذا يثبت أن قدرتنا على الحوار و الحلم محدودة، فأحدهم يبرق قائلا: انني مأجور للشركة التي تنفذ عملية البصم، رغم إنني لا أعرف الشركة ولا أعرف أصحابها!.
آخر يقول انه لو كان لي اهل كبار في السن، لما قبلت وقوفهم ساعات لأجل البصمة، والرد عليه سهل، فالذي يريد ان يذهب للعمرة لعشرة ايام، لن يكون صعبا عليه الوقوف لساعات لأجل البصمة الحيوية في الاردن.
ثالث يوجه تهمة بأن المقال جاء بوحي من هنا أو هناك، فلا تملك إلا أن تقول إن هكذا اتهامات سمعناها مليون مرة في مناسبات شبيهة وقد اعتاد المرء على هكذا اتهامات معلبة تختصر كل النقاش، بتهمة مسلوقة.
في كل الحالات لا يمكن هنا إلا الإقرار بأن المقالة، غابت عنها بعض التفاصيل الفنية التي عاد بعض المنتقدين وقاموا بشرحها بلطف وأدب، مشكورين، كما ان النقد إذا اتَّسم بالموضوعية لايمكن الا الانصياع له، واحترام مضمونه.
التجاوزات اللفظية والاساءات، تعبر في حقيقتها عن طبيعة الشخص، لا عن عدالة قصته، وهي في الاغلب تطعن في شرعية اي قصة.
يستحق الذين عتبوا اعتذارا، عن نقص بعض التفاصيل الفنية، في المعالجة المهنية، فهذا أمر واجب الاعتراف به ، ولايمس الاقرار قدر احد، كما أن التجريحات تبقى في ذمة أعناق قائليها...لا في ذاكرتي.