عقوبة الإعدام بين القضاة والمحامين والتمويل الأجنبي

لا تستورد الدول أحكامها وأنظمتها ولا تخضع في قوانينها لاشتراطات فالقانون والنظام جزء من تكوينية المجتمع والدولة وليس اقتباسا او اختراعا علميا قابلا للتطبيق في كل زمان ومكان طالما لم يأت اختراع ينفيه او نظرية تُبطله، وعقوبة الاعدام في صلب القانون الاردني والاهم في صلب العقيدة الاسلامية التي يستند اليها الدستور " ابو القوانين " في التشريع.

امس ناقشت ندوة عقوبة الاعدام والعودة اليها بعد تصريحات وزير الداخلية التي تحدثت عن امكانية العودة الى تنفيذ احكام الاعدام، فكان رأي محامين برفض العودة الى تنفيذ الاعدام وكان رأي قضاة بضرورة تنفيذ الاحكام فيما ترى منظمات مجتمع مدني تحظى بتمويل اجنبي الى ضرورة الغاء عقوبة الاعدام من جذورها وليس وقف تنفيذها فقط، وبين ثلاثية المواقف المتعارضة ضاع اصل فكرة الاعدام وجذر وجودها كعقوبة مدعومة بالنص القرآني وبتوافق المجتمع لان عقوبة الاعدام لا تُخالف الفطرة البشرية بدليل وجودها في الاكثرية الساحقة من قوانين اهل الارض.
بداية فإن النظر الى تغليظ العقوبة كرادع وحيد لمنع الجريمة فيه مخالفة للمنطق وللواقع عبر التاريخ فالجريمة موجودة ويمكن للعقوبة الرادعة ان تقلل من الجريمة الموجودة في كل المجتمعات غنيّها وفقيرها، فالاصل ان العقوبة حق للمجتمع وحق للمجني عليه او اهله، وابسط حق ان تُزهق روح مُزهق الروح الا اذا عفى اهل الضحية فتخفض عقوبة الاعدام الى اعلى عقوبة ممكنة تلي الاعدام طبعا في حالة القتل العمد والترصد مع مراعاة تراتبية العقوبة تبعا للقصدية والتعمد.
فالاعدام حق للمجتمع قبل ان يكون حقا للافراد، فالخيانة مثلا لا يوجد فيها مجني عليه واضح المعالم والتفاصيل فهل تكون عقوبتها السجن فقط في حين ان نتائجها قتل وطن بأكمله؟ وثمة جرائم تفوق في بشاعتها القتل المادي وأعني جرائم اغتصاب الاطفال والنساء، فهل الوحشية الآدمية نقابلها بنعومة تتناسق وطبيعة التمويل القادم من جهات وجماعات تستهدف تخريب مجتمعات لها بناءاتها الخاصة واعرافها السائدة منذ قرون من اجل حفنة دولارات ؟
وبالعودة الى مجتمعنا الاردني القائم على العقيدة الاسلامية وثقافتها، التي تؤكد على القصاص وان في القصاص حياة، وكيف يمكن وقف شلال الدم اذا بدأت معارك الثأر وهذه المعارك لا تستهدف النيل من القاتل بل تطال ذويه وخمسته، فهل نعود الى اول الفتنة في التاريخ الاسلامي بالسماح بتأويل النصوص كما يشاء اهل المقتول وفقا لـ " وجعلنا لوليه سلطانا " ام ان السلطان هو القانون والدولة التي تأخذ الحق من الجاني لصالح الضحية ؟
ثمة جرائم تستوجب ما هو اعلى من القتل وهذا جزء اصيل من العقيدة، ووقف إعمال هذه العقوبات جاء ليس مواكبة للحضارة التي يتشدق بها دعاة الانسنة والتمويل بل بسبب ارتفاع هيبة الدولة وانتهاء ظاهرة قطع الطرق والتنكيل بالآمنين، ولذلك يجب التأكيد على هيبة الدولة وتعميق انتشار الامن والامان واعلاء شأن الامن الاجتماعي وتقليل جيوب الفقر وايجاد فرص عمل للشباب وتوفير الدعم لغير القادرين على العمل واصحاب الاحتياجات الخاصة فقط .
اسباب انتشار الجرائم كثيرة وتفعيل عقوبة الاعدام لن يقضي على الجرائم لكنه يُثلج صدور مجتمع راعه منظر الضحية والجريمة، ويبرّد نار أهل احترقت قلوبهم وهم ينظرون الى ابنهم المقتول غيلة او ابنتهم المنهوش لحمها وعقلها ونفسيتها، والاهم فيه ردع كبير لنفوس مريضة استسهلت القتل لغياب العقوبة الرادعة.
القانون ابن المجتمع وليس مستوردا من مستوردات المجتمعات البعيدة والقريبة فهو ليس اختراعا قابلا للعمل به في كل المجتمعات وليس دواء يمكن استخدامه من كل الاجناس الادمية، فهذه هي مشتركات العالم البشري ولا يوجد قانون مشترك بين البشر سوى القصاص من الجاني وهذا تحدده المجتمعات نفسها وليس مؤسسات التمويل الغربي.