هل هدد الرئيس البخيت بتقديم استقالته ؟؟.. الحكومة بين مطرقة القوى المتنفذة وسندان المعارضة الشعبية
أخبار البلد - علناً وعلى رؤوس الاشهاد، اندلع الصراع مؤخراً بين مراكز القوى، واجتاحت البلاد طائفة من المشاحنات والاستقطابات بين هذه المراكز المتنازعة على السلطة والقوة والنفوذ لم تعد تخطئها عيون المراقبين الاعلاميين، او تخلو منها احاديث صالونات عمان السياسية التي اشاعت الاسبوع الماضي ان معروف البخيت قد هدد بتقديم استقالته لدى اصطدامه ببعض هذه القوى وهو يجهد للامساك بكامل ولايته الدستورية·
فمنذ الايام الاولى لتشكيل حكومة البخيت التي كانت تطمح في تشكيلها اكثر من شخصية مرموقة، انهمكت بضع قوى رسمية وشعبية في التشويش عليها، ووضع العصي في دواليب حركتها، واستهداف رئيسها وبعض اعضائها، رغم ما بين هذه القوى المناوئة والمتربصة من تباين واختلاف·
فجأة، وبمجرد نجاح معروف البخيت في تشييد حكومته، اجتمعت عليه جملة قوى متنافرة لا يجمع بينها الا النيل منه وتفشيل حكومته، بدءاً من خصومه القدامى الذين نازعوه النفوذ في حكومته الاولى، ومروراً بالخصوم الجدد الذين اعتبروه غاصباً لفرصتهم في الوصول الى الدوار الرابع، وانتهاء بخصوم من نوع مختلف استكثروا عليه تأليف الحكومة دون ان تكون لهم اليد الطولى في انتاجها·
واذا امكن اعتبار هذه القوى الخصيمة بمثابة المطرقة التي تهوي على رأس الحكومة، فبالامكان اعتبار قوى المعارضة الشعبية بمثابة السندان الذي يسهم في حشرها ويضاعف اوجاعها والذي تحتل الحركة الاسلامية الجزء الاكبر من مساحته، ذلك لان هذه الحركة الواسعة الشعبية مازالت تتجرع مرارة التجربة مع حكومته الاولى التي شهدت تزوير الانتخابات البلدية والنيابية عام 2007، وبما ادى الى تفشيل معظم مرشحي الحركة، وتنحي المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين آنذاك جراء رهانه على وعود البخيت·
صالونات عمان السياسية لم تتأخر هي الاخرى في مناهضة حكومة البخيت، ووصفها بانها دون مستوى متطلبات المرحلة الحاضرة التي ترتفع فيها كل سقوف الحركات السياسية والمطلبية، ثم النيل من الرئيس البخيت ذاته بالزعم انه يفتقر الى الحزم، والسرعة في الاداء، والدقة في صناعة القرار، سنداً لما كان عليه الحال في حكومته الاولى التي لم تحقق اية انجازات تُذكر·
ولعلها من المرات القليلة التي تشهدها ساحات الشغب على الحكومة، والصراع بين مراكز القوى، اضافة العامل المالي والاقتصادي الى جدول اعمال المناوئين لحكومة البخيت الذين لم يتورعوا، وهم يشاهدون المأزق المالي الذي يأخذ بخناق البلاد والعباد، عن التشويش على البرامج الاقتصادية للحكومة، سواء في الداخل من خلال التشكيك وزعزعة الثقة، او في الخارج الخليجي والاوروبي والامريكي بغية التأثير سلباً على المعونات المالية، والتسهيلات الاقتصادية·
لم يكن اعتداء زمر البلطجية على المعتصمين في ساحة المسجد الحسيني بعمان، في اليوم الثامن عشر من الشهر الماضي، تحدياً للمعتصمين فحسب، بل كان ايضاً تحدياً للحكومة الجديدة، واختباراً لقدرتها على انفاذ وعودها الاصلاحية والديموقراطية، ومن هنا فقد ردت الحكومة على هذا الجرم الذي لم ينبع غالباً من الفراغ، بشكل حازم حيث ادانته باقوى العبارات، ثم عمدت على الفور الى تشكيل لجنة قضائية لمعرفة الجناة واية جهات ربما تكون قد دفعتهم الى هذا العمل المشين·· غير ان التحقيق الذي طال امده مازال مستمراً·
ورغم اعلان الحكومة المتكرر عن تفهمها لدوافع الحركات والاعتصامات السياسية والمطلبية التي اصبحت اكثر من الهم على القلب، الا ان الحكومة لم تستبعد وجود اصابع خفية تحرض وتحرك هذا الكم الكبير من المتظاهرين والمعتصمين الذين تعددت مطالبهم دفعة واحدة، وضمن مساحة واسعة تمتد من المطالبة بالحريات الديموقراطية الى الدعوة لاستملاك الواجهات العشائرية·
اما الفصل الساخن من فصول صراعات مراكز القوى، فقد عبر عن نفسه من خلال استحقاق الثقة النيابية بالحكومة، حيث تكاتفت كل القوى المناوئة لها لتصفية حساباتها معها دفعة واحدة، وعبر اسقاطها بحجب الثقة المطلقة عنها اذا كان ذلك ممكناً، والا فلتكن ثقة هزيلة لا يمكن مقارنتها بالثقة الكبيرة التي نالتها حكومة الرفاعي·
الحكومة التي حصلت على ثقة بسيطة قوامها 36 صوتاً، خرجت من مجلس النواب مذهولة حقاً، ليس فقط لضآلة حجم الثقة التي نالتها، ولكن لان نواباً كثيرين معروفين بقربهم من دوائر رسمية نافذة، كانوا في طليعة المتحمسين لحجب الثقة عنها، وهم الذين منحوا الحكومة السابقة وغيرها من الحكومات المتعاقبة ثقتهم بشكل روتيني، ودون كبير عناء·
ولم يتوقف استهداف النواب للحكومة عند هذه الحد، بل سارعوا الى منازعتها الحوار مع القوى الحزبية والنقابية والشعبية المطالبة بالاصلاح، وذلك بتشكيل لجنة نيابية للحوار، تنافس اللجنة الحكومية التي تشكلت لهذه الغاية·
بالمقابل، وكما تمردت السلطة التشريعية على الحكومة، سرعان ما تمردت السلطة الرابعة، او الاسرة الصحفية على الدوائر الامنية، واستنكرت في بيان شجاع صادر عن الصحفيين الذين اعتصموا يوم الاثنين الماضي، وصاية هذه الدوائر على الحقوق والحريات الصحفية والاعلامية، وطالبت بكف ايدي الحكومات والاجهزة الامنية عن التدخل في شؤون نقابة الصحفيين واعمال المؤسسات الصحفية والاعلامية، الرسمية منها وغير الرسمية·
وكان لافتاً للانظار تضامن الزميل طاهر العدوان، وزير الدولة للاعلام والاتصال مع المعتصمين الذين رحبوا بهذه المبادرة، بقدر ما تحفظت عليها جهات اخرى رأت فيها احراجاً لها، خصوصاً وان كلمة الوزير في الاعتصام كانت ثورية وتحررية الى حد بعيد، وغير مألوفة في مفردات الخطاب التقليدي لوزراء الاعلام الاردنيين، وبالتحديد ما حملته الكلمة حرفياً حول "رفع اية وصاية او تدخل في الاعلام"·