"أمن إف إم" وهذه الملاحظة
قبل أكثر من خمسة أعوام كنت من الذين استطلعت آراؤهم حول إطلاق إذاعة من قبل الأمن العام، ولا أخفي مخاوف أبديتها في ذلك الوقت من أن تكون الإذاعة أداة تخويف على اعتبار العقدة المعروفة بين الأمن والمواطن. لكن في نفس الوقت، وأنا أناقش من طلب رأيي آنذاك ولا تسعفني الذاكرة باسمه، بدت لي الفكرة جيدة ويمكن أن تكون فريدة من نوعها عندما شرح لي الزميل بالرؤية التي تحملها الإذاعة. وبالفعل نجاح وراء نجاح، وأصبحت الأولى في الأردن ولا أبالغ مع احترامي لكل الإذاعات في البلاد، وعلينا أن نقر بأن هذه الإذاعة دخلت كل منزل ورافقت كل سائق وأنا واحد منهم. الفكرة بحد ذاتها والقدرة على تطبيقها على أرض الواقع كانت مميزة، وأعتقد أنها الأولى في المنطقة، فنسجت تواصلا غير مسبوق بين المواطنين ورجالات الأمن، ووطدت العلاقة وليس أخيرا استطاعت هذه الإذاعة وخلال فترات سريعة في حل كثير من القضايا ومعالجة مشاكل وإزالة عوائق، بل كانت عين المواطن نفسه على أمنه وحاله. لكن وبحسرة وإن كنت أضعها في باب العتاب، فإن البرنامج الذي قدمه الإعلامي والمذيع المتألق عصام العمري أمس الأحد شابه ما شابه في تعليقه على إضراب الأطباء وشرح الضرر المتوقع من ذلك. كان في نبرة العمري شيء من الانحياز تجاه الحكومة وخطابه نحو الاطباء لدرجة الاستفزاز، على اعتبار أنهم فئة ترغب بالمال، وباستهزاء -يقول المذيع- عله يهبط علينا مال من السماء. حتى هذه اللحظة يمكن هضم الكلمات، لكن قراءة رسالة أحد المستمعين بأن "من لا يرغب بالبقاء عليه المغادرة والعمل خارج البلاد لكن عليه أن يترك كرامته هنا". وأستغرب وأتساءل في نفس الوقت: هل من يعمل بالخارج فاقد للكرامة وإن كانت البلاد هي من تمنح الكرامة أم الإنسان نفسه. ورغم استشعار المخاطر من إضراب أطباء لحساسية القطاع، إلا أنه من الضرورة بمكان القول إن مطالب الأطباء لا تقف عند زيادة الرواتب، بل هو جزء من مطالبات الجميع والمتعلقة بمكافحة الفساد والوقوف عند التعيينات المشبوهة، وليكن أبعد من ذلك تقديم الأجهزة المناسبة للمراكز الصحية في المحافظات وحتى في العاصمة، حتى يستطيع هؤلاء الأطباء توفير العناية اللائقة للمواطنين. أرجو من مذيعنا المتألق أن يسمع الرأي الآخر، وسيجد في بحثه عن حقيقة المآسي التي يعيشها القطاع الصحي الذي لم يخلوا يوما من شبهات فساد وسرقة أدوية، وصولا إلى عقود مضادات "أنفلونزا". أخيرا، المسألة لا تتوقف عند إضراب أطباء، فخلال الأمس كانت البلاد شبه متوقفة، ويبقى المفتاح السري مفقودا، ألا وهو العدالة للجميع.