مسؤلية المجتمع في الاصلاح والتنمية

بما أن الانسان وتهذيب أخلاقه و إعداده إعدادا تربويا فاضلا هومن أهم متطلبات التنمية باعتباره مادة النمو في هذا العالم و إذا كان الفرد في المجتمع هو الجزيء الطبيعي و هو محور التنمية فإن الأسرة هي النواة الطبيعية للفرد و بالتالي فإن كلا منهما ضروريا لبقاء الآخر فإنه من الممكن المقارنة بين الأسرة و الذرة فمن الأسرة تتكون المجتمعات فتتكون كل التنظيمات السياسية - الاجتماعية - الدينية كما هو الشأن في الذرة تتكون كل عناصر المادة (( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا ونساء و اتقوا الله الذي تسألون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ))
إن وحدة أصل الانسان تقتضي أن يتعاونوا فيما بينهم و يندمجون كاندماج أصلهم , فإن تفكك القرية أو القبيلة أو الأسرة يعني تفكك الكيانات الاجتماعية – الاقتصادية – السياسية – الدينية ..الخ
فالفرد لا يمكن أن يعيش مفردا و لا يمكن أيضا أن يوجد إلا من تزاوج وليس من فرد باستثناء أدم عليه السلام خلقه الله من غير واسطة و عيسى عليه السلام من أم بلا أب , وما سواهم من البشر فهم بواسطة أب و أم أي انه نتاج غير فردي وهي ما تسمى الأسرة و اقلها الزوج و الزوجة , وهذا يعني أن الأسرة أساس الحياة و الحفاظ عليها إنما يعني الحفاظ على الحياة و اغفال دورها يعني ضعف و اخفاق دورة الحياة , فالسياسات التي أهملت من الدور المجتمعي فشلت في تحقيق تنمية مستديمة و ناجحة , وإنما فشلت السياسات حين أهملت دور الأسرة والمجتمع لعدم قدرتها على تطبيق القوانين الصارمة .و تكلفة تطبيقها وحين حاولت بعض الأنظمة السياسية فرض الدور المجتمعي بالإكراه أدى ذلك إلى نتائج عكسية كما هو معروف في نتائج التجارب الشوعية و الاشتراكية في العالم ,و من أهم المخاطر التي تواجه الأسرة الهجمة الشرسة التي من أهم مبرراتها المساواة بين الجنسين أو الدعوة إلى اكتفاء كل جنس بجنسه بينما الأصل التكامل و التآلف بين الجنسين . فالا نثى تحتاج الى الدالة والرعاية وليس المساوات .
كما أن النزاعات الطائفية و السياسية او العرقية لا تقل خطرا عن سابقتها وهي بالفعل التي تهدد مجتمعنا اليمني و تقلق أمنه و استقراره إلى جانب ما يعاني من تدهور اقتصادي مما يوجب على الجميع استشعار الخطر و العمل الجاد على إيقاف هذه النزاعات و نبذها ,و خاصة في ظل ضعف مؤسسات الدولة . لسوء الحظ إن المجتمع يعرف اخفاقات الدولة في الكثير من المجالات لكنه في الوقت نفسه لا يعرف مقدار اخفاقاته وواجباته نحو الوطن أو يقلل منها وهي لا تقل شأنا عن اخفاقات الدولة . فمن الملاحظ تشكي المجتمع من الدولة و مطالبتها بواجباتها نحو الوطن , بينما المجتمع لا يقوم بالدور المطلوب منه و لو بالحد الأدنى مما يعاظم في حجم المشكلات السياسية و الاقتصادية في المجتمع غياب كل من الدولة و المجتمع في وقت واحد .
و لكي نوضح ذلك فما علينا إلا أن نقيم واجبات الدولة وواجبات المجتمع في تعاملهما مع شريحة المهمشين سواء التعامل معهم في المجال التعليمي أو في المجالات السياسية الاجتماعية والمجالات الأخرى , أو بشكل عام في مجال مكافحة الفقر.
فقد اخفقت الدولة في تحقيق شيئا يذكر لهم برغم ما رصدت من أموال من الداخل والخارج ابتغاء دمجهم في المجتمع و تحسين أوضاعهم التعليمية و المعيشية لكن دون جدوى فلا زالت نسبة المهمشين في ازدياد ولم يندمجوا أو ينصهروا في المجتمع كما أنه أيضا في مجال التعليم مازالت النسب متدنية وتزداد سوء ,و من جهة أخرى فإن دور المجتمع سلبي جدا فلا يوجد دمج لهذه الشريحة في المجتمع فلا زالوا معزولين عنه برغم أن الدين يعارض هذه الفوارق و يمقتها ,إذا فماذي قدمه المجتمع لهذه الشريحة إذا كانت الدولة قد أخفقت , لقد كان و مازال بإمكان المجتمع أن يقدم الدعم المعنوي المتمثل في تشجيعهم على التعليم و حضور المناسبات الدينية و السياسية و الاجتماعية و هو أمر ممكن و غير مكلف لكنه لم يحدث في الماضي الا اننا لا ولنا نامل ان يقوم المجتمع بدوره , و إذا ما نظرنا إلى الدعم المادي فقد أخفق المجتمع في ذلك أيضا و من الملفت للنظر والمستغرب وجود أوقاف بمسميات كثيرة وغياب الوقف لهذه الشريحة .
وما يدل على اخفاق الدولة والمجتمع بالقيام بدورهما في مختلف المجالات هو ارتفاع معدلات تعاطي المخدرات بين الشباب وارتفاع معدلات الجرائم . ومن المخزي والمحزن أيضا ارتفاع ظاهرة الاغتصاب ضد الأطفال من الجنسين و التي تؤدي في بعض الحالات إلى إقدام المجرمين على قتل ضحاياهم انه أمر لا يكاد يصدق أن يحدث في مجتمع متدين و كيف إذا كان هذا المجتمع هو مجتم الاسلام حسبنا الله ونعم الوكيل .
أضف إلى ذلك زيادة عدد المكتئبين و المرضى النفسيين وبالاخص بين شريحة الشباب وارتفاع نسبة البطالة بشكل مخيف أليس ذلك كله دليل على إخفاق المجتمع بدرجة أولى و الدولة بدرجة ثانية .
وفي المقارنة بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني سندرك أهمية دور المجتمع المدني والقيام بتحالفات مجتمعية تظهر أهمية المسؤولية الجماعية و القيام بمؤسسات خاصة للمجتمع المدني تهدف إلى التنمية والاستقرار . إذا لا يستطيع أحد أن يجادل بأن الدولة مهما كانت قدراتها قادرة على توفير الخدمات لمواطنيها بشكل مرض فإن تكلفة الخدمات التي تقدمها الدولة في المجالات المختلفة مرتفعة ومكلفة مقارنة بخدمات مماثلة يقوم بها القطاع الخاص في المجتمع مما يستنزف خيرات البلاد على حساب الاجيال القادمة ,فبالنظر لمجال التعليم على سبيل المثال فإننا نجد أن نفقة تعليم الفرد الواحد على الدولة أكثر من نفقة تعليمه في مؤسسة تعليمية خاصة رغم ملكية الدولة للمباني و رغم تلقيها لمساعدات خارجية ويرجع ذلك إلى ارتفاع نسبة الفساد في مؤسسات الدولة وسوء الادارة بما يفوق وجوده في مؤسسات المجتمع المدني مع العلم أن مستوى التعليم متدني ,و للأسف أيضا ما يقوم به المجتمع من خدمات تعليمية وصحية لا زالت متدنية ورديئة لا ترقى إلى المستوى المطلوب أضف إلى ذلك عدم العدالة في ما يتقاضيه الموظف في المؤسسات الخاصة مقارنة بما يتقاضيه موظف مثله في مؤسسة حكومية برغم زيادة ساعات العمل المقررة على موظف القطاع الخاص هكذا نجد الاخفاقات تلو الاخفاقات في كل من مؤسسة الدولة والمجتمع .
كما لم تكن الأسرة بأحسن حال و لا بمنأى عن تلك الاخفاقات بدليل تفكك بعض الأسر نتيجة لحالات الطلاق الذي يترتب عليه ضياع الأطفال و افتقادهم إلى أهم مقومات الرعاية اللازمة في حال حصول الطلاق و لتلافي ذلك على كل فرد أن يدرك أهمية أن يحسن اختيار / الزوجة مستشعرا أن الزواج يترتب عليه واجبات وحقوق و ليس مجرد إشباع للرغبة الجنسية فقط بل هو أساس الحفاظ على الجنس البشري . فإن من يجهل أهمية الأسرة او يقلل من اهمية دورها لن يحافظ على هذه الأسرة ولن يحافظ على الحياة الزوجية ولا على ما يترتب عليها من إنجاب
إننا ندعوكم إلى وقفة جادة مع النفس ندرك فيها حجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا و ندرك أبعاد وتوجيهات و توصيات الرسول صلى الله عليه و سلم حين قال (( كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته )) ـ ثم عدد هذه المسؤولية ابتداء بالخادم وانتهاء بالحاكم ـ و لأننا مؤمنبن علينا أن ندرك أهمية هذه القيم و التوصيات الاسلامية و قد قال صلى الله عليه و سلم ((الايمان بضع وستون شعبة أعلاها " لا إله إلا الله و أدناها إماطة الأذى عن الطريق" )) .
الخلاصة :
أن رقي أي أمة مرتهن بمدى التربية التي تلقاها أفرادها من الناحية العاطفية والفكرية فلا ينتظر تقدم أمة لم تتوسع أفاق أفرادها الفكرية و الوجدانية .
فمن شروط تقدم أي أمة وصول أفرادها إلى وحدة الهدف و الغاية فالمدرسة و الجامعة تتكامل مع المعسكر و المؤسسة الدينية المسجد يتكامل مع المؤسسة التشريعية و القضائية و مؤسسة المجتمع المدني تتكامل مع المؤسسة التنفيذية .
إذ لا يمكن توقع تقدم صحيح و تنمية في المجتمع أنقسم أفراده إلى شيعا و أحزاب متناحرة فالأجيال التي لم تتلقى تربية موحدة بل نشئت وغذيت بثقافة الكراهية و الاختلاف المقيت لا بد أن تتحول إلى قنابل موقوتة تنفجر وتتشظى شيعا و طوائف متناحرة , وتقدم أمة هذا حالها إن لم يكن مستحيلا فصعب جدا .
فهل أدركنا أن تحويل السهول الخضراء و البساتين اليانعة إلى سهول و أراض جرداء و تحويل الشوارع و الحارات إلى مزابل و خرائب عمل فاسد وتخلف ,أما تحويل الاراضي الجرداء و الصحاري إلى بساتين فعمل صالح ورقي وتقدم .
إن الأمم المتقدمة أراضيها جنات و بساتين ,و جبالها غابات خضراء ,و معابدها معمورة كالقصور ,ومدنها جميلة ,وشوارعها نظيفة , بينما الأمم المتخلفة فقد قضت على نفسها بنفسها , وحولت السعادة الى تعاسة والحياة الى موت , وأفسدت كل جميل مدنها خرائب و شوارعها مزابل و نفايات ,و معابدها تفوح منها رائحة العفونة.
وهل أدركنا الفرق بين الرقي و التخلف وبين الصالح والغاسد وبين الحق والباطل ,
فعودة عودة إلى العمل الصالح و السلوك الصالح و بعدا بعدا عن العمل السيء القبيح ,
ولنعمل جميعا على محاربة الجريمة و محاصرتها أمرا بالمعروف و نهيا عن المنكر و لنبتعد جميعا عن الشبهات و لنحث على إطعام المساكين و الانفاق لتحقيق التكافل الاجتماعي
(( و العصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )) و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
Lateef66644@yahoo.com