محمد السويدان يكتب :استقلال القضاء ضمانة أساسية للإصلاحات الشاملة وركيزة للديمقراطية

 

أخبار البلد - تفتح المذكرة التي تقدم بها 120 قاضيا أول من أمس إلى رئيس المجلس القضائي راتب الوزني، والتي طالبت بتعزيز استقلالية القضاء، الباب أمام الجهات المعنية وعلى رأسها مجلس النواب مناقشة كيفية ضمان وحماية وتعزيز استقلالية السلطة القضائية التي هي ضمانة أساسية للاستقرار وللديمقراطية والأمان.

 

وتأتي هذه المذكرة في الوقت الذي يناقش فيه مجلس النواب القانون المؤقت لاستقلال القضاء للعام 2010 ما يعزز من فرص إجراء تعديلات تصب في اتجاه تعزيز استقلال القضاء.

 

فالقضاء الذي يعتبر ركيزة أساسية للديمقراطية والعدل والاستقرار لا يمكن أن يحقق هذه الأهداف الاستراتيجية والرئيسية إذا لم يكن مستقلا، أو أن تكون هناك تدخلات تحد من استقلاله، أو أن تتغول عليه السلطة التنفيذية، فتسيره كما تريد.

 

القضاء عندنا يحظى بتقدير واسع من مختلف الأوساط الشعبية والحزبية والنقابية والرسمية، والدستور الأردني نص على استقلالية القضاء، فبحسب المادة 97 "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون"، كما أن المادة 101 تنص في فقرة 1 منها على أن "المحاكم مفتوحة للجميع ومصونة من التدخل في شؤونها".

 

ولكن للأسف فإن بعض الحكومات تحاول بين فينة وأخرى، التدخل في القضاء ومصادرة استقلاليته لصالحها (الحكومات)، فتسعى إلى إجراء تعديلات على مواد قانون استقلال القضاء بحيث تضمن وجود قضاة معينين، أو تحيل إلى التقاعد القضاة الذين يرفضون السير في توجهاتها.

 

وهذا الأمر دفع القضاة الـ120 إلى دق ناقوس الخطر، حيث اعتبروا التعديلات التي جرت على المادة 16 من قانون استقلال القضاء في عهد حكومة سمير الرفاعي تتيح التدخل بالقضاء، حيث منحت التعديلات المجلس القضائي صلاحيات مطلقة بإنهاء خدمات أي قاض من دون ذكر الأسباب.

 

ويطالب القضاة في مذكرتهم بضبط عملية إنهاء خدمات القضاة بحيث تكون مقترنة "بإجراءات تحقيقية تجريها دائرة التفتيش القضائية مع القاضي حول مخالفات منسوبة إليه، ثم إحالته إلى المجلس التأديبي، وعلى إثر صدور تنسيب المجلس التأديبي يصدر قرار إنهاء خدماته من القضاء".

 

وطلب القضاة الذين خبروا التدخلات المختلفة بمذكرتهم "بتوفير أقصى درجات الحماية لهم من أي تدخلات خارجية عن الجسم القضائي، ودفع هذه التدخلات بكل السبل الممكنة حتى يتمكن القضاة من أداء واجبهم بكل حياد وتجرد".

 

هذا الطلب المشروع يجب أن يدفع مجلس النواب (السلطة التشريعية) المعني إلى أقصى درجة باستقلال القضاء لإجراء تعديلات مناسبة على القانون تمنع التدخلات في الجهاز القضائي، وفي أحكام القضاء من أي جهة كانت، ومهما كان حجمها، وهذا الأمر يتناغم مع الدستور الأردني.

 

لا يمكن التقدم إلى الأمام بالإصلاحات السياسية، وبأي إصلاحات أخرى إذا لم يكن هناك ضمانات حقيقية لاستقلال القضاء ومنع التدخلات به. فالديمقراطية من دون قضاء مستقل، ستراوح مكانها ولن تتقدم، والإصلاح المنشود لن يكون إصلاحا إذا ما بقيت التدخلات في الجسم القضائي.

 

إن أهمية المذكرة تأتي من أن مقدميها هم قضاة مارسوا العمل، وخبروا الضغوطات، ويعرفون تماما ما يتعرضون له من تدخلات، وما هي المعيقات التي تواجه استقلالية القضاء.

 

لقد اعترض القضاة سابقا، ورفعوا المذكرات، ولكن الأمور بقيت على حالها. ولكن الأمر مختلف الآن، فالحكومة أعلنت أنها ملتزمة بالإصلاح، ووضعت آلية لهذا الإصلاح منها لجنة للحوار الوطني، مطلوب منها مراجعة التشريعات السياسية وخصوصا قانوني الانتخاب والأحزاب. لذلك فإذا كانت الحكومة معنية بالإصلاح الحقيقي، فهي مطالبة بوضع الآليات التي تحقق استقلال القضاء وتمنع التدخلات بشؤون وبأحكامه.

 

لقد طالبت وتطالب الأحزاب ومنظمات المجتمع المتنوعة بأن يشرف القضاء كاملا على مجريات عملية انتخاب مجلس النواب من بدايتها إلى نهايتها، ولا يمكن للقضاء أن يؤدي مهمته كاملة إذا ما كانت هناك إمكانية للتدخل به بأي شكل، ففي ظل إمكانية الاستغناء عن خدمات القضاة من دون ذكر الأسباب ومن دون إجراءات تحقيقية حقيقية، فإن القضاء لا يستطيع أن يقوم بمهمة الإشراف على الانتخابات بالشكل المطلوب.

 

إن الفرصة مواتية تماما لمعالجة أي اختلالات في التشريعات تضع عقبات أمام الديمقراطية، فهناك لجنة للحوار الوطني ستناقش التشريعات المرتبطة بالانتخابات والأحزاب وغيرها، كما إن قانون استقلال القضاء المؤقت منظور في مجلس النواب، وبإمكان اللجنة القانونية النيابية التي أعيد إليها القانون من قبل المجلس أن تعيد النظر بالمواد التي أشارت إليها مذكرة القضاة.

 

فالقضاة طالبوا أيضا وفق مذكرتهم بتعديل الماده 23/ أ من قانون الاستقلال والتي تعطي لرئيس المجلس القضائي صلاحية انتداب أي قاض لأي محكمة نظامية أو يتولى أحد الوظائف فيه، وطالبوا بتعديل المادة 41 من قانون استقلال القضاء، والتي تنص على أن يكون جهاز التفتيش القضائي تابعا لوزير العدل، مطالبين أن تتبع للمجلس القضائي.

 

فهل يتحرك مجلس النواب باتجاه إقرار تعديلات مهمة على قانون استقلال القضاء تضمن فعلا استقلالية الجهاز القضائي وأحكامه، ما يعزز الثقة الشعبية والأهلية والرسمية به، ويساهم بالإصلاح الشامل؟ إنه سؤال تقع الإجابة عنه على مجلس النواب، والأيام القليلة المقبلة كفيلة بالإجابة عنه.