حوارات حرجة

-اخبار البلد
 
يمضي الواحد منّا يومه، وليس نهاره فقط، في دوّامة من المشاغل التي لا يستطيع أن يتحكم في بدايتها ولا نهايتها، من القيام بواجبات عمله الذي يرتزق منه، ومن معاناته من أزمات السير الخانقة، ومن ذهابه إلى المؤسسات الحكومية لدفع فواتير الماء والكهرباء والهاتف والضرائب، ومن المشكلات الصحيّة الطارئة وغير الطارئة، ووفائه بالواجبات الاجتماعية من عزاءات وتهنئات وجاهات وزيارات للمرضى واستقبال ضيوف أو توديعهم، وربما يكون لديه اجتماعات ولقاءات ومشاركات في أنشطة مختلفة وسواها. ثمّ يأتي في آخر النهار أو أوّله أو خلاله من أصدقائه أو أقاربه أو الأعزّاء عليه من يلاحقه بالعتاب واللوم والمساءلة ومحاولة إحراجه ووضعه في الزاوية واتّهامه بالتقصير وبكلّ ما يخطر على البال من الاتّهامات وعقوق الأهل والأصدقاء والأعزّاء، وإن سألت هذا اللائم المعاتب عن سبب فعله ذلك فإنه يقول لك إنّه لولا محبّته لك ما توجّه إليك بالعتاب فالإنسان لا يمكن أن يعاتب أيّ عابر سبيل.
ثمّة حالتان لا يستطيع المرء تحملهما كثيراً وهو في غمرة انشغالاته ومتاعبه، وقد يكونان أحياناً من أسباب قطع علاقاته بمن يحب، أولهما أن يُكثر أحدٌ من معاتبته ولومه كلّما التقى به أو اتصل به، حتى يدفعه إلى موقف الدفاع عن النفس وعرض الحجج والأسباب وأحياناً اختلاق الذرائع لتسويغ موقفه.
والحالة الثانية أن يلحّ أحدٌ عليه بالأسئلة كأنه لا يريد أن يترك له مهرباً من الاعتراف بسبب غيابه أو انقطاعه أو تأخره عنه، وكأنّه أمام لجنة تحقيق، ممّا يوقعه في الحرج والشعور بالضيق.
إنّ هذا النموذج من الناس موجودٌ بكثرة في مجتمعاتنا العربيّة، وهو نموذج يفترض أنّ الناس جميعاً لا شُغْلَ لديهم سوى تقصّي أخبار الآخرين أوّلاً بأوّل والقيام بما يلزم إزاء كلّ خبر منها أو حادث أو جديد منها.
صحيحٌ أنّ ذلك قد يدلّ أحياناً على المودّة بين الناس، لكنّه في أحيان كثيرة أخرى يتجاهل ظروف الناس ومشاغلهم، ويؤدّي إذا زاد عن حدّه إلى إضعاف تلك العلاقات ووضع حدّ لها.