حلاقو السياسيين: أقالوا حكومة وصفي التل وأغلقوا مضيق الدردنيل


خالد أبو الخير

معظم الممتهنين لمهنة الحلاقة أناس رائعون، يتصفون بسعة الصدر والسرد وأحيانا بحب الثرثرة، ومستمعون جيدون.

ويجد الرجل عادة صعوبة في تغيير حلاقه، خصوصا بعدما يكون قد تعود عليه وأنس منه تعاملا جيداً، لذلك قلما يذهب الى حلاق جديد، الا إذا استجد ما يستوجب ذلك، أو اضطره ظرف ما.

حلاقو السياسيين تركوا بعض القصص التي نشروها في مذكراتهم أو حواراتهم او كتبت عنه.. نختار منها ما يلي:

العقاد..

كان عباس العقاد يقص شعره ويحلق ذقنه عند حلاق بشارع محمد علي ناحية العتبة الخضراء وكان لا يذهب إلى الحلاق في حانوته بل كان يذهب إلى المكتبة التجارية التي كان يملكها ناشر كتبه مصطفى محمد ويأتي الحلاق إلى المكتبة فيضع حول عنق العقاد وعلى صدره الفوطة البيضاء ويضرب فرشاته في إناء الصابون حتى تنتج فقاقيع ورغوة ثم يغطي ذقن العقاد بها، وكل هذا كان يحدث على مرأى ومسمع من الناس رواد المكتبة الذين كانوا ينظرون إلى الكاتب الكبير عباس العقاد وهو على هذه الحالة وكأنه يستمتع بما كان يراه مطبوعا على وجوههم من علامات الدهشة والاستغراب.

السادات ومبارك

سرد مصفّف الشعر المصري الشهير محمود لبيب حكايتها مع اثنين من الرؤساء المصريين الذي نحلق لهم، فهو يصف حسني مبارك بانه شديد الانضباط وصموت لأبعد الحدود وغالباً لا يفتح حديثاً خلال قصّ شعره. مشيدا به لنه لم يكن يزعل عند تأخره في المجيء الى القصر الرئاسي، بسبب المواصلات، على العكس من موظفي الرئاسة!.

الرئيس الراحل أنور السادات فيوصفه بأنه "حكاي" أثناء الحلاقة, وأنه غالباً ما كان يبادر بفتح الحديث.



وبين أن المرة الوحيدة التي سأله فيها الرئيس السادات عن أحد الشؤون العامة كانت بعد أحداث يناير 1977 التي أطلق عليها السادات اسم "انتفاضة الحرامية", والتي اندلعت بعد قرارات السادات برفع أسعار بعض السلع الأساسية, وأن السادات قال له وقتها إن هدف قراراته التي فجرت تلك الانتفاضة هو وصول الدعم لمن يستحقه من المصريين.

**

وصفي التل

أدى ذهاب رئيس الوزراء الراحل وصفي التل إلى الحلاق ليلة العيد الى انتشار اشاعة قوية عن رحيل حكومته الأولى، وفتح شهية الطامعين بالرئاسة انذاك.

الخبر كما نشرته صحيفة عمان المساء يوم في 5 آذار من عام 1963، جاء كالتالي: ما حصل، أن وصفي التل قابل الملك حسين في الديوان، وحصل أن تعطلت سيارته الرسمية، فاستقل سيارة أخرى من سيارات الديوان مع مرافقيه.

في الطريق أراد الرئيس أن يقص شعره عند حلاقه المعتاد.



وكان الزمان قبل العيد بيوم، فلما لاحظ التل حجم الازدحام عند الحلاق، طلب من مرافقيه الانصراف إلى أسرهم واستكمال استعداداتهم الشخصية للعيد، ودخل إلى صالون الحلاقة بمفرده، وبعد أن أنهى عاد الى السيارة التي كانت تنتظره، ولكن بلا مرافقين.

انطلقت الشائعات والتحليلات عن أسباب غياب المرافقين وغياب سيارة الرئيس ذات العلم المرفرف في مقدمتها، وانخرط الناس في المدينة الصغيرة آنذاك في كلام قوي عن الاستقالة.

هتلر

حلاق الزعيم النازي أدولف هتلر "فريدريك شميد" ترك كتاباً يحوي مذكراته معه ومنها نقتطف: في يومٍ في التفت لي هتلر وقال: هل سيبدو شكلي جيدًا إذا ربيت سوالفي؟

وانطلق بعدها حوار شارك به كبار الدولة في هل سيكون شكل هتلر بالسالف مناسباً، وتطلب استداع مسؤول الاستخبارات هملر، بعد ان استشاط هملر غضباً، اثر معلومة بأن رئيس وزراء بريطانيا تشرشل يفكر بتربة سالفه.

خمَّن هملر حال وصوله أن شيئًا ما ليس على ما يرام، لأن هتلر ناداه بـ"القصير"، وهي عادته عندما يكون غاضبًا. وبالفعل، التفت إليه الفوهرر فجأة صائحًا: هل سيربي تشرشل سوالفه؟

احمرَّ وجه هملر.

- إذن...؟

قال هملر إن هناك معلومات بلغته عن نية تشرشل تربية سوالفه، لكنها كلها غير مؤكَّدة، وأضاف أنه بالنسبة للحجم والعدد فعلى الأرجح أنه سيربي سالفين فقط بطولٍ متوسط، لكن لا أحد أراد أن يُخبره قبل التوثُّق من المعلومة!. صرخ هتلر وضرب المائدة بقبضته ثم فرد خريطة وشرح لنا خطته لقطع وارد مناشف الحلاقة عن إنجلترا بأن يقوم دونيتس -قائد البحرية- بحصار مضيق الدردنيل.

لكن السؤال الأهم ظلَّ معلقًا: هل يستطيع هتلر تربية سوالفه قبل تشرشل؟

علَّق هملر قائلاً إن تشرشل قد بدأ قبله بالفعل، وإنه قد يكون مستحيلاً أن يلحق به الفوهرر، لكن جورينج –مؤسس الجستابو- قال إن الفوهرر يمكنه تربية سوالفه أسرع من تشرشل، خصوصًا إذا تم حشد قوة ألمانيا كلها في سبيل تحقيق هذا الهدف.



ثم، وفي شتاء 1942، أطلق الروس هجومًا مضادًّا أدى لإيقاف عملية السوالف، وأصيب هتلر بالاكتئاب خشية أن يبدو تشرشل رائعًا بسوالفه الجديدة بينما يظل هو "عادي المظهر" كما هو. على أن أخبارًا بلغتنا بعد فترةٍ قصيرة تفيد بأن تشرشل تخلى عن فكرة تربية سوالفه لارتفاع تكلفتها الشديدة؛ ومرة أخرى أثبت الفوهرر أنه على حق.

**

سمير عطا الله



يروي الكاتب اللبناني سمير عطا الله قصته مع حلاق روسي في نيويورك تبين انه مثقف.. واستهل مقالته بالقول:







الحلاقون معروفون بالثرثرة، لذلك يجب أن تتوقع مجموعة محاضرات قصيرة، حتى لو كان الشعر الزائد الذي يجب قصه، يحتاج إلى إضافات لا إلى تشحيل. لذلك عندما أدخل إلى دكان حلاق ألزم الصمت وأتحاشى المباشرة بأي محادثة. نسبة النجاح والنجاة ضئيلة.



لكن هذا الحلاق الروسي في نيويورك لم يفتتح الحديث بالسؤال من أين أنا، بل إذا ما كنت قد حضرت فيلم «آنا كارنينا» في دار السينما المجاورة. لم ينتظر الإجابة، قال: إن هذا أجمل أعمال تولستوي لأنه الأكثر صدقا. ولم ينتظر تعليقي. دفع رأسي إلى الأمام، وقال: إن «آنا كارنينا» روايته المفضلة، لكن تولستوي ليس أديبه المفضل. قلت راميا الكليشيه الغبية: «طبعا، لا بد أنه الكسندر بوشكين». دفع رأسي أكثر إلى أسفل، وقال: «منذ متى لم تقص شعرك؟» ثم أضاف فورا: «لا. ليس بوشكين على الإطلاق. أنا أقرأ دوستويفسكي، خصوصا هنا، في نيويورك». قلت، ما العلاقة؟ قال، الناس. جميع أبطاله يعيشون هنا، وأكثرهم يمر بهذا الدكان. أعرفهم من لحظة دخولهم.



انتابني شيء من الخوف والذهول. هل هذا حلاق في الشارع 58 أم أستاذ أدب مقارن؟.

وبعد.. ليس كل الحلاقين سواء!