«دفاشتي» ورحابة الرئيس السنغافوري !!

التقينا مجموعة من السفراء العرب في حفل وداعي ووداع خفيف الظل الصديق بشرى إبراهيم سفير السودان والصديق المثقف احمد القويسني سفير مصر اقامه الصديق فيكتور ازمتر السفير اللبناني في منزله بجاكرتا -حزيران عام 2012-، تبادلنا الامنيات والكلمات المفعمة بروح الاخوة والتكافل والتضامن والمصير المشترك والامل بتحرير مقدساتنا في فلسطين.

وللسفير السوداني ملحوظة استراتيجية طريفة، فقد سأله محرر الجاكرتا بوست عن انطباعاته وملحوظاته حول اندونيسيا وعن عدد سنوات خدمته سفيرا في جاكرتا فقال: خدمت أربع سنوات في جاكرتا 3 سنوات منها امضيتها في السيارة (في إشارة الى ازمة السير الخانقة التي تشتهر بها جاكرتا) وسنة كانت كافية للنوم والطعام والعمل والعلاقات.

سرعان ما انقسمنا الى فئتين "احداهما باغية؟!". كان النفط -الذي ستخسفه اميركا الى 40 دولارا فما دون- والخميني مادة الجدل الذي ينشب بعدما ننتهي من المقدمات اللغوية الرغوية واللغة الخشبية التي يشتهر بها السفراء في كل انحاء العالم.

كانت وجهة نظري ان الشرق والعالم الإسلامي دهمته في نهاية السبعينيات من القرن الماضي غمامة ثقيلة سوداء تمثلت في الامال الطيبة العظيمة المغطاة بطبقة مراوغة من الإسلام السياسي التي انتجت حملا كاذبا استمر نحو 30 سنة قبل انكشاف المشروع القومي الإيراني الذي سخّر المذهب لتوحيد اهله ثم سخّرهم وزجهم في معارك جانبية مع إخوانهم في المذاهب الإسلامية الأخرى لا غالب فيها ولا مغلوب على الاطلاق.

وكمثقف حداثي، فانني اؤمن بضرورة فصل السياسة بما فيها من مكر ومصالح ودهاء ومناورات وخبث وبيع وشراء عن الدين بما فيه من طهر وسمو وقيم ومُثل ونبل وصفاء ونقاء. وكمثقف تقدمي، فانني ازدري بلا ادنى تردد، اثارة النعرات الطائفية والمذهبية والجهوية والإقليمية والدينية والجندرية والعرقية.

والشيء بالشيء يذكر، ففور ان قدمت أوراق اعتمادي سفيرا غير مقيم لدى جمهورية سنغافورة عام 2008 لرئيس الجمهورية "سيلابان راما ناتان" ابلغني رئيس التشريفات السنغافوري ان فخامة الرئيس يريد موعدا معي؟! لم اخفِ دهشتي، فخامة الرئيس يريد موعدا معي!! عاجلني الرجل قائلا ربما ان وقتك لا يسمح بلقاء فخامة الرئيس بعد استكمال مراسم تقديم أوراق اعتماد جميع السفراء، اذا كان الوضع كذلك فدعنا نضرب موعدا اخر في يوم قريب اخر.

فور انتهاء المراسم اصطحبني رجال التشريفات الى مكتب صغير يبدو انه اقتطع من بهو قاعة المراسم التاريخية الفسيحة حيث كان فخامة رئيس الجمهورية السنغافوري ذي الأصول التاميلية الهندية، واقفا في انتظاري. اعتذر عن الموعد المباغت وقال بود الهنود ودماثتهم انه معجب بالأردن وبالملك عبدالله ويأمل ان يحذو الأردن حذو سنغافورة فيكون بلدكم سنغافورة الشرق واردف ان الملك يعرف ان كل خبراتنا الثمينة في سنغافورة تحت تصرف الاردن.

وقال الرجل الطاعن في العمر – مولود في سنغافورة عام 1924- الغارق في السمرة والتواضع وابتسامته تعلو محياه: طلبت ان القاك سعادة السفير لأسألك سؤالا واحدا لا غير، ما هي حكاية الشيعة والسنّة في المنطقة وعلام هذا الاشتباك الوشيك؟! قلت في نفسي لماذا يهتم هذا الرجل الهندوسي بقضايا العالم الإسلامي ومشكلاته ومذاهبه.

قلت يا فخامة الرئيس ها انذا وقد ابيضّ شعر رأسي، لم المس الا مؤخرا ما يثير اهتمامك واهتمام العالم، اليوم ومجددا. واردفت: ان تطفو ظاهرة "السنّة والشيعة" على ماء الخليج ونفطه اليوم فتلك ابرز الدلالات على تسخير الدين للسياسة وتوظيف الدين لخدمة أغراض منحطة خبيثة. واشرت الى اننا نصدر عن محبة واحدة لآل البيت وان ملوكنا الهاشميين هم آل بيت رسول الله واسباطه.

لاحظت وانا اصافح الرئيس مودعا ان شعر رأسه مثل "كحل الليل" فقد كانت صبغة شعر راسه متقنة تمام الاتقان فقدرت للرجل دماثته و"تمرير" اشارتي اذ لم "يبزّم" عندما اشرت باعتزاز الى بياض شعر رأسي فقد كانت تلك إشارة نقد ليست مقصودة في غير مكانها وزمانها !!

امّا النفط فله حكاية أخرى بيني وبين اخواني سفراء الخليج العربي لعلني اسردها في مقالة أخرى ان شاء الله.