الملك والقدس سيدة القضايا
أخبار البلد - أيمن الصفدي
القدس هي سيدة القضايا الشرق الأوسطية، لا يتقدم عليها ملف آخر، ولا يقترب من أثرها على المنطقة موضوع.
تلك هي الرسالة التي حملها جلالة الملك عبدالله الثاني للرئيس الأميركي باراك أوباما حين التقاه لأول مرة بعيد توليه الرئاسة الأميركية قبل حوالي ست سنوات.
تغيرت المنطقة مذذاك وتراجعت أولوية القضية الفلسطينية إقليميا ودوليا. لكن الملك ظل على قوله إنها القضية الأولى، إن حُلّت سهل التعامل مع كل القضايا غيرها من أزمات المنطقة، وإن تفاقمت عظمت احتمالات الانفجار.
ها هي القضية الفلسطينية تعود إلى الواجهة عبر القدس، أكثر جوانبها قدسية وحساسية، لتأخذ الضفة الغربية إلى حافة انتفاضة جديدة، ولتضع إسرائيل في مواجهة سياسية دبلوماسية مع الأردن.
فعل الأردن ما استطاع لوقف العدوان الإسرائيلي الجديد على الأقصى. حذّر الملك إسرائيل أن العبث بالقدس سينهي القليل مما بقي من علاقات تفرضها الضرورة، وقاد حملة دبلوماسية أنتجت تعهد بنيامين نتنياهو أنه لن يغيّر الوضع القائم في القدس المحتلة، وأنه سيخفف من التصعيد ضد مقدساتها.
لكن الأردن وحده لن يستطيع ردع إسرائيل. فالمشكلة في موازين قوى تتيح لها تحدي العرب والعالم. وهي قبل ذلك في مجتمع إسرائيلي قائم على العنصرية والتطرف وحسابات القوة.
لن يتحرك العالم لوقف الانتهاكات الإسرائيلية. الولايات المتحدة أثبتت أن جهودها محكومة بالمساحة التي تحددها إسرائيل. وأوروبا أعجز من أن تغيّر في مسار الأمور. أما العالم العربي، فيغرق في قيعان الجهل، ولن يكون له وزن أو دور قبل أن يتحرر من براثنه.
تعرف إسرائيل كل ذلك. وهنا مكمن عنجهيتها. ويعرف الأردن ذلك أيضا، فيتخذ من الإجراءات ما يمكن أن يحدّ من العدوان الإسرائيلي، رغم أن حجم غضبه يتجاوز هذه الإجراءات.
صعّد الأردن سياسيا ودبلوماسيا واستدعى سفيره في إسرائيل. لكنه لم يلغِ معاهدة السلام، التي تشكل حاليا الرادع السياسي الوحيد للمعتدي. فالمعاهدة تتيح للأردن القيام بدور يسهم في كبح الانتهاكات الإسرائيلية. إلغاؤها وسط الظروف الحالية سيخدم إسرائيل أكثر مما سيخدم الأردن والفلسطينيين، وسيضعف الدور الأردني في حماية المقدسات.
موضوع القدس لم ينتهِ. القضية ستزداد توترا لأن إسرائيل خففت عدوانها تكتيكيا لا اقتناعا. والأردن يحتاج أن يبرمج استخدام أدوات ضغطه وفقا لمسار المعركة. إلغاء المعاهدة الآن سيضعه في مواجهة مع الولايات المتحدة وأوروبا، سيقلل تأثيره الضاغط دوليا، وسيحرر إسرائيل من أي التزامات فرضتها المعاهدة، خصوصا في القدس المحتلة.
المسألة ليست مسألة شعارات. هي معركةٌ القوة فيها للجانب المعتدي. ولعل أقصى المتاح راهناً هو تثبيت الوضع القائم في القدس إلى حين بروز متغيرات تسمح بحل مسألتها في إطار حلٍ شاملٍ للصراع ينهي الاحتلال ويثبّت القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.
دور الأردن في ذلك مركزي، وإدارته للأزمة أثبتت أنها الأفضل في ضوء ما هو ممكن.
أما مآلات المستقبل فستفرضها إسرائيل. إذا أمعنت في الاعتداءات على القدس وتهويد مقدساتها، ستسير الأمور نحو تأزيم جديد سيتصاعد معه الرد الأردني وفق ما يتطلبه التزامه حماية القدس ومصالحه الوطنية. لا يمكن أن يكون نتنياهو غبيا لدرجة عدم فهم مركزية القدس أردنيا وفلسطينيا وعربيا وإسلاميا، ولدرجة الاستهتار بمغبة الإمعان في الاعتداء عليها. لكن تطرف المجتمع الإسرائيلي وصل درجات تعميه عن رؤية الواضح، وسيقوده، ولو بعد زمن، إلى هاوية ستحرمه ما ينعم به من أمن واستقرار على حساب الشعب الفلسطيني وحقه في الحياة.