اللعبة الأمريكية الخطرة في سوريا

يعرف المدركون للعبة السياسية الدولية شيئاً إسمه اللعبة الخفية بين الدول والأنظمة والأُمم، وهي لعبة القتل والتدمير تشن فيها حروب لا يهم فيها عدد الضحايا ولا كيف قتلوا؟

 

ولا أين؟

 

ولا لماذا؟

 

فالمهم هو أن تسير الخطة حسبما رسمت دون حساب الضحايا أو الإكتراث بهم، وكل ذلك له أهداف تعرفها وتخطط لها دول كبرى طامعة لتحقيق مصالحها في المنطقة، في إطار ذلك تبرز عدة تساؤلات مهمة منها

 

ما هي اللعبة الجديدة الخطرة القادمة في المنطقة؟

 

هل سنشهد عراقاً آخر طبق الأصل تتحول إليه سورية وإنهيار في محيط الإقليم ويمتد تأثيره إلى منطقة الخليج العربي خاصة وإن هناك بوادر إنفجار بدأت تتردد في المنطقة كمقدمة للفاتورة التي ستدفعها دول الشعوب نتيجة تأويل الأزمة السورية؟

 

يخطئ من يعتقد أن الرئيس الأمريكي أوباما آتٍ على رأس تحالف دولي من أجل القضاء على داعش، وتطهير البلاد من هذا التنظيم لا أبداً!

 

أميركا عائدة الى المنطقة ويتقدمها الرئيس أوباما حاملاً سلة في مرفقه ليحصد ما زرع، وما سبق لأسلافه أن زرعوه في المنطقة، كون الدبلوماسية الأميركية هي تاريخ من الألعاب الخفية!

 

وقد أنشأت داعش بديلاً عن القاعدة العجوز بعد أن إستنزفتها وقامت بالدور الذي أسندته اليها، وصرفتها من الخدمة عندما خرجت القاعدة على النص، وبالتالي فإن هدف اللعبة الجديدة لادارة اوباما هي نشر الفوضى الخلاقة وتفتيت وتقسيم المنطقة، ومن هنا يمكنني القول إن التدخل الأمريكي في سورية لن يتوقف عند ضرب داعش فقط، فليس من المعقول أن تترك الولايات المتحدة نظام الرئيس الأسد، عدوها اللدود، يحصد مجاناً ثمار عملياتها العسكرية ضد عدوه اللدود هو أيضاً "داعش"

 

وليس من المعقول أن تقبل الولايات المتحدة، التي لا تخفي رغبتها في رحيل الأسد، أن تهدي إليه نصراً مجانياً أو تدعم وجوده في السلطة، الشيء المؤكد هنا هو أن الغارات التي بدأتها أمريكا لن تكون نهاية العمل العسكري الأمريكي في سورية بل ستكون بدايته

 

والأكثر من هذا أن بين الأمريكيين من يحذر من أن تلك ستكون الخطوة الأولى للغوص في المستنقع السوري حتى لو أصر أوباما على أنه لا يخوض حرباً ضد سورية ولكن ينفذ عمليات عسكرية ضد منظمة إرهابية

 

بإختصار هذه هي بداية التدخل الأمريكي كما شهدها العالم، غير أن أحداً لا يعرف على وجه الدقة كيف ستمضي الأمور ولا كيف ستكون خاتمتها، ويزيد من غموض الأهداف الأمريكية أن الإستراتيجية التي أعلنتها واشنطن حتى الآن غير واضحة الأهداف ولا إلى أي مدى تريد أن تمضي في مطاردة داعش داخل سورية

 

فإعلان الولايات المتحدة الأمريكية إن محاربة داعش تستغرق فترة زمنية طويلة ، هذا هو أحد المواقف الغير واضحة في إستراتيجيتها ويثير الكثير من التكهنات المشروعة منها

 

هل إن أمريكا من خلال إستراتيجيتها هذه تهدف الى إستنزاف داعش أم إستنزاف النظام في سورية ؟

 

تمهيداً لإضعافه وبالتالي يسهل إسقاطه من وجهة النظر الأمريكية وحلفائها الإقليميين إرتباطاً بفقرة تقديم الدعم للمعارضة المسلحة والمليشيات الأخرى، أم إنها تهدف على المدى البعيد تهيئة مستلزمات وضع خارطة جديدة لمنطقة الشرق الاوسط من خلال تفردها بمحاربة داعش والحركات الإرهابية المختلفة ومسكها بهذه الورقة لتنفيذ أجنداتها ومصالحها ومصالح حلفائها على حساب مصالح الشعوب والأوطان

 

في إطار ذلك يمكنني القول أن التنظيمات والمليشيات المسلحة القادمة من كل حد وصوب لم تكن إلا وسيلة من وسائل المخابرات المركزية في الحرب التي تقررها أمريكا، وهذه التنظيمات تمتد وتتمدد حسب مقتضى الحال من أفغانستان مروراً بفلسطين والعراق وسورية والجزائر واليمن وسورية، وهذه الفصائل ما هي إلا ورقة قمار ضمن ورق اللعبة الأمريكية في المنطقة، اللاعب الأمريكي فيها هو الجوكر والخاسر فيها دوماً المواطن العربي في المنطقة أيضاً

 

كل هذا هل نصدق ان أمريكا تخوض الحرب فقط لسواد عيون الشعب السوري ودفاعاً عن الأبرياء؟

 

أبداً أمريكا بتاريخها ما فكرت في الشعوب ولا في مصلحة الأبرياء ولا دافعت عن حقوق المستضعفين، ولذلك أشك ان يكون التحالف الدولي لمحاربة داعش يحمل الحل لأن من يسلم العراق لداعش لا يتوانى عن تسليم سورية حتى للشيطان من أجل المشروع الأمريكي الذي خسر الكثير في دمشق وفقد قاعدته هناك.

 

في سياق متصل إن ما يحدث في سورية يشكل صورة واضحة وحقيقية للعبة الدولية والإقليمية بكل تفاصيلها، فهذه اللعبة هي التي تعمل بصمت عبر أدواتها على تغيير وضع سورية وتمزيقها، تلعبها أمريكا وحلفاؤها لتحقيق مصالحها وأطماعها التي لا تعرف حدود، فقط تعرف إنجاز مهمتها وتحقيق مآربها وإستراتيجياتها عن طريق أدواتها التي تملأ سورية اليوم من كل الأنواع والأشكال، والتي تتطلب اليوم منا قوة وطنية واعية للحقيقة والمستقبل، وتعمل على اللقاء الوطني وتفرضه برؤية وطنية تنهض بالبلاد وتنقذها، كون أن اللعبة الدولية وأدواتها المحلية، لها عواقب وخيمة على المنطقة وعلى وضعها الحضاري وبقائها ومستقبلها برمته

 

وبالتالي أول الخاسرين في هذه اللعبة المؤسفة هم السوريون، ولا سيما أن بلادهم تسير على حافة التفكيك، كون هذا المشروع لا يستهدف سورية وحدها، وإنما المنطقة معها، خدمة لإسرائيل وحلفاؤها، فهو يستهدف تدمير سورية بالمقام الأول، وتحطيم قدراتها وقوتها، وبالتالي فإن المخطط الأمريكي الصهيوني على سورية أصبح على محك الخطر، وهناك توقعات بإنفجار المنطقة برمتها التي أصبحت معرضه لمخاطر الحرب نتيجة المواقف المتعنتة للدول المتآمره على سورية، أمام الخطر الذي أصبح يستهدف المنطقة ويستهدف تصفية القضية الفلسطينية، كما أصبحت دول الجوار السوري على حافة الإنفجار ان لم يتم تتدارك الموقف في آخر لحظاته وإن لم تبادر أمريكا وروسيا لإعادة ترسيم المنطقة والتفاهم الدولي وفق تغيير في المنظومة الدولية والإقليمية ينهي التحكم القطبي الأحادي الأمريكي والتفرد الأمريكي في حكم دول العالم.