تجريم الذهبي.. هل يضيف سبباً جديداً للإصلاح؟

في يوم الأحد الموافق 2/11/2014 أصدرت محكمة جنايات عمان حكمها بحبس مدير المخابرات العامة الأسبق الجنرال محمد الذهبي (13) سنة و(3) أشهر وتغريمه مبلغ (21) مليون دينار، وذلك بعد إدانته بجرائم الاختلاس وغسل الأموال واستثمار واستغلال الوظيفة، والجنرال الذهبي ليس أول مسؤول أمني يجرم بهذه الجرائم، ولو كان لدينا قانون (من أين لك هذا؟) ونظام محاسبي لا يستثنى منه أحد لكانت قائمة المحكومين أضعافا مضاعفة.
وهذه الواقعة والتي سبقتها والتي ستتبعها – إذا طورت التشريعات وتم تفعيلها - تستحق التوقف عندها، فالإنسان لا يولد مجرما منحرفا أو فاسدا، وإنما يولد على الفطرة، والفطرة تعني الصفاء والنقاء والصلاح والطهر، لقول نبينا صلى الله عليه وسلم (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة...) فالانحراف يأتي من خارج الإنسان، من بيئته وثقافته والمسؤوليات المنوطة به.
والمعلوم أن بعض الأجهزة والمؤسسات في بلدنا تمنح صلاحيات واسعة لا يسمح بها الدستور، وتفوق صلاحيات رئيس الوزراء في بعض الأحيان، هذه الصلاحيات الواسعة التي تمكّن المسؤول من التغوّل على كثير من المؤسسات والهيئات التي يفترض أن تكون مستقلة تشكل مدخلا للفساد، لأن الإنسان عرضة للاستجابة للمغريات وشهوات النفس، ولا سيما إذا غابت التقوى واختفت المساءلة.
وهذه دعوة صريحة صادقة لصاحب القرار ألا يسمح في التشريعات أو الصلاحيات غير المكتوبة لأي شخص أو جهاز بتجاوز الدور الذي يحدده الدستور، فالأحزاب السياسية، والجمعيات الخيرية والثقافية، والمؤسسات التربوية والإعلامية ينبغي أن تكون مستقلة، وقضايا الحريات العامة، وحقوق الإنسان لا يجوز لأيّ كان انتهاكها، والتقارير المرفوعة لصاحب القرار لا يجوز أن يسلّم بما جاء فيها إلا بعد تمحيص شديد، وألا يسمح بأي شطط فيها أو افتئات.
ورقابة مجلس النواب والمؤسسات الرقابية الأخرى، وفي مقدمتها ديوان المحاسبة يتوجّب ألا يحول حائل دون بسط كامل رقابتها على جميع مؤسسات الدولة، وقبل كل ذلك وبعده فإن قاعدة (القوي الأمين) بكل ما تعنيه القوة والأمانة يجب أن تكون المحكّمة لدى اختيار القيادات، ولا سيما العليا منها، مستحضرين منهجية الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين سأل جلساءه (أرأيتم لو استعملت عليكم خير من أعلم أكنت أديت ما عليّ؟) قالوا: نعم. قال (لا، حتى أعلم أعمل بما أعلم منه أو لا).
وما لم نبلغ هذه المنهجية، ونفعّلها في حياتنا ومؤسساتنا، فإننا سنبقى ندفع الثمن غاليا من كرامتنا وحقوقنا ومقدّرات بلدنا.