«المجهول» و«المعروف» وجمانة غنيمات
باسم سكجها
ظننتُ أنّ قضيّة «المجهول» ضدّ الزميلة جمانة غنيمات ستصبح قضيّة رأي عام، ولكنّ الزملاء فضّلوا أن يمرّوا عليها مرور الكرام، فلعلّ لديهم أعذارهم، ولن أعذر نفسي إذا وقفت في الطابور، ويظلّ علينا، قبل البدء، أن نذكر أنّ وزير الإعلام الأسبق مروان المعشر كتب عنها، وأنصفها، وهو مشكور على ذلك.
ولكنّه يبقى خارج الأسرة الإعلامية، تلك التي لم تنتبه لخطورة المسألة، وكان على الأمر أن يُشكّل لها جرس إنذار، فهناك سابقة صحافية قانونية سُجّلت في المحكمة، وصحيح أنّ القضاء منع محاكمتها، ولكنّ الصحيح، أيضاً، أنّ مسألة «المجهول» باتت ذخيرة يمكن استخدامها، وتصوّروا معي كَم هناك من «المجهولين» الذين سيأتونا في المقبل من الأيام، والأشهر، والسنوات، ليدّعوا علينا بتهمة استخدامنا أقلامنا مع: «عدم تحرّي الحقيقة»، و«عدم الموضوعية والتوازن» و»ذمّ هيئة رسمية»...
علينا، هنا، أن نتوقّف قليلاً عند الاتّهام من ذلك الـ«مجهول»، فهل هناك في الدنيا من يملك الحقيقة الكاملة عن أيّ موضوع، بعيداً عن القدرات الإلهية؟ وكيف يمكننا أن نميّز الموضوعية والتوازن بمعيار إنساني؟ وهل لنا أن نقول عن نقد هيئة رسمية، دون تسمية أشخاص، أنّه ذمّ؟
تُرى، ماذا فعلت جمانة غنيمات، حتى أصبحت في قَفَص اتّهام؟ كلّ ما ارتكبته أنّها كتبت مقالة يمكن قراءتها من عنوانها:«لقد مللنا العرض.. فأوقفوه!»، تحدّثت فيها عن: نواب فاسدين، ونواب مزاودين، ونواب يبحثون عن مكاسب شخصية، ونواب يغيّرون في مواقفهم حسب اتّجاهات الريح، ونواب معارضة زائفة، وقانون انتخابات مشوّه، ولم تنس أن تُذكّر بقانون التقاعد المدني، الذي ما زالت سيرته على كلّ لسان أردني، ورفضه أطفالنا، قبل كبارنا، ونحن بينهم.
وتُرى، أيضاً: ماذا يُفترض أن يكتب الكاتب، أو تكتب الكاتبة، تُرى ماذا علينا أن نكتب: هل نُسبّح بحمد النواب والوزراء والمسؤولين والقوانين المسلوقة ونتغنّى بهم، وننتقي كلمات المدح، حتّى نأمن شرّ «المجهول»، أم أن نُعبّر عن ذلك القارئ، المواطن، «المعروف» الذي لن يصدّق سوى ما تراه عينه، ولن يُعتبرنا إذا قدّمنا له الكذبة على طبق من ذهب.
تضيع الأوطان عندما يُمنع فيها سماع الرأي الآخر، وتقوم الثورات عندما تُكمّم الأفواه، وهذا ما لا نريده للأردن، ويبقى أنّ القضاء أنصف الزميلة حين منع محاكمتها، وأنّ الوسط الإعلامي غبنها حين تجاهل قضيتها التي أثارها «مجهول»...