السلفية الجهادية والرسمية تدخلان في الحراك السياسي الأردني مصطدمتان مع بعضهما
أخبار البلد –خاص – كتب عمر شاهين – في منحى قد يضع الغرب في صورة التطورات العربية الأخيرة، ويغير من حياديته فيما يحصل من ثورات شعبية ضد الأنظمة العربية التي وصفت سابقا بأنها حيادية، دخل التيار السلفي في حرب الثورات الشعبية ، بعد أن انكفأ لفترات طويلة إثر أحداث أيلول الأخيرة والتي أجبرته عن الانسحاب العلني من الشارع.
ففي تونس الدولة التي سيطرت عليها أجهزة عابدين الأمنية، والتي ادعت العلمانية ، والليبرالية، لم يظهر بها حتى الوقت، بوادر قوة سلفية ، ويتوقع أن يسيطر على المشهد الإسلامي حزب النهضة المعروف بتحالفه وحتى انتماءه لحركة الإخوان المسلمين، ويبدوا أن راشد الغنوشي يسعى إلى قيام دولة مدنية أولا لشعب لم يعتاد بعد على ظهور تيارات دينية مسيطرة.
وفي مصر ما زال المشهد لا ينبئ عن أي وضوح فبالرغم ، من وصف الثورة بالشعبية، والعفوية ،وتميزها بالإخاء الإسلامي المسيحي، وظهور ضعيف لحزب الإخوان مقابل الملايين الذين خرجوا دون أن يحملوا ما يميزهم، سوى شعار " الشعب يريد إسقاط النظام"، ظهرت خلافات في شوارع القاهرة والإسكندرية و احتجاجات قبطية ، يخشى أن تتجه إلى التصعيد وإفساد الود المؤقت الذي وحدهم للخلاص من القذافي. ويخشى من عودة ظهور حركات السلفية الجهادية النائمة، والذين لم يعتادوا على تقبل فكرة شريك لا يؤمن بعقائدهم.وتعتبر مصر أكثر الدول العربية التي عانت من تفجيرات الحركات المتطرفة وصدرت إلى القاعدة الأكثر من الرموز وعلى رأسهم الدكتور أيمن الظواهري.
في الأردن وفي سابقة غير مسبوقة اعتصمت مجموعة كبيرة من السلفية الجهادية صباح الأحد 6/3 2011 أمام رئاسة الوزراء ، مطالبين بالإفراج عن أصدقائهم وأقاربهم ممن يقضون فترات طويلة في السجون الأردنية على خلفية قضايا امن دولة ينحصر معظمها، في الانتماء لحركات إسلامية أو متطرفة أو المشاركة أو التخطيط لعمليات مسلحة داخل أو خارج الأردن.
خطب بالمعتصمين الشيخ أبو محمد الطحاوي الذي خرج من السجن حديثا ، بعد أن قضى عام ونصف، بعد ظهوره في شريط بثته قناة العربية ، لعرس خاص بالسلفية الجهادية ، اعتبر خرقا للأمن الأردني، وقيل بشكل غير مؤكد أن إقامة الحفل الذي حفي بالنشيد الجهادي، وظهروه على قناة العربية كان احد أسباب إقالة مدير المخابرات محمد الذهبي.
السلفية الجهادية في الأردن ليست حالة خاصة بل ظاهرة للعيان، ويشاهدون في المساجد ويتزاورن علنا، ومختلفة عن التنظيمات السرية كما في اليمن والسعودية، فهي ليست نائمة بل معروفة للأجهزة الأمنية الأردنية ، ولم يسجل في الأردن أن تقمصت المدنية أو غيرت من شكلها التقليدي لصناعة اختراقات، بل يظهرون بثيابهم وشعرهم وكحلة العين، والتفافهم حول شيوخهم، وسعيهم إلى الصلاة في مساجد معينة يؤمها شيوخ سلفيين موثوق بهم.كما وصفها بإتقان الباحث محمد أبو رمان.
وحول الاعتصام غير المسبوق للسلفية الجهادية أمام رئاسة الوزراء يضيف أبو رمان : " كان المشهدُ طريفا، حقّاً، أن يبادر أنصار "السلفية الجهادية" لاستثمار اللحظة الراهنة للتعبير عن مواقفهم ومطالبهم، سواء في مسيرة الجامع الحسيني الأسبوع الماضي، أو اعتصام رئاسة الوزراء قبل يومين، في غياب شبه مطلق للأمن الخشن، بل وتسهيلات أمنية ناعمة، سواء بتحويل مسار سير المركبات، أو وجود عدد محدود من الضباط الذين كانوا يتصرفون بأسلوب حضاري مرموق.
ومع ذلك فالمشهد الأردني الذي تراه الأجهزة الأمنية انه تحت السيطرة اخذ منحى مختلفا ، حينما يقف سلفيون جهاديون أمام رئاسة الوزراء تحديدا، ويلقون شعاراتهم ، الدينية المتعلقة بالولاء والبراء، وليس فقط المتضامنة مع المسجونين، وهذا التحدي يعطي انعكاسا على سعة المطالب غير المسبوق في الساحة السياسية الأردنية، فقد وصل اكبر بكثير من المحرمات السابقة.وطبعا من حقهم أن يطالبوا مثل غيرهم بحقوقهم العامة كأبناء مجتمع والخاصة كمنتمي لمذهب ديني.
طبعا لا يمكن أن تستجيب الحكومة الأردنية لمطالب السلفية الجهادية، فهي -أي الحكومة -لم تعطي إشارة بعفو عام عن مساجين عاديين، فكيف بإخراج سلفيين، يعتبروا قوة لا يمكن ضبطها في حالة خرجوا.والحكومة اليوم تسعى إلى حصر مطالبي الإصلاح وعدم اتساع الرقعة لفئات شعبية وسياسية أخرى.
ويتوقع ان احتجاجات السلفية الجهادية شغلت اهتمام الغرب الذي يعتبر الأردن أكثر البلاد ضطبا للحالة السلفية التي تتوافق فكريا وجغرافيا مع بعض المناطق في داخل الأردن،وخرج منها عدة قيادين للقاعدة في العراق وأفغانستان. بينما لا ينظر بنفس الاهتمام إلى مسيرات الإخوان المسلمين، وهذا قد يوجب على بعض الدول الخليجية دعم الاقتصاد الأردني لتقوية موقف الحكومة الأردنية، خوفا من أي حالة تمدد لحركات الإسلامية في حالة زادت قوة المسيرات المعتمدة على الجهادين، وهناك نقطة مهمة جدا ان السلفية الجهادية لا يمكن أن تتحالف مع الإخوان المسلمين أو أي حزب يساري أو قومي.
وفي حالة ظهور تمدد للحركات السلفية الجهادية قد تطلب إيران من حزب جبهة العمل الإسلامي تخفيف حدة وقوة المسيرات ذلك أن إيران تعتبر السلفية الجهادية احد اكبر ألد أعدائها عقيديا وعسكريا، ودفعت إيران ثمنا باهظا عندما أدخلتها إلى العراق لإضعاف الاحتلال الأمريكي.
ويأتي استيعاب حالة مظاهرة السلفيين ضمن خطة أمنية أردنية تنص على استيعاب أي حركة تظاهرية مهما على سقفها الخطابي،وذلك لتجنب أي إراقة للدماء أو التسبب بجروح ، حتى لا تعطي المسيرات تأييد شعبي أكثر مما تشهده الحالة من وجود المؤيدين لمطالب المعارضة.
فالسلفيون وجدوا أن الإخوان المسلمين لم يكتفوا بالمسيرات غير المسموحة بل إلى المطالبة بالملكية الدستورية.لذا رفعوا ليس من مطالب لم يكتفوا بها ، بل الاعتصام في مكان حذر جدا بالنسبة لهم، وسبق هذا اعتصام جس نبض كان أمام المسجد الحسيني.
بعد ذلك بعدة أيام ظهرت في مدينة معان احد أكثر المدن الأردنية التي تكثر فيها الحركة لسلفية عبر مسيرة استمرت 20 دقيقة للسلفيين الجهاديين أو كما يوصفون بالتكفيرين وقالت وكالة عمون الإخبارية التي نشرت الخبر أن عددهم بلغ 300 شخص ، وما يلفت الانتباه ان خطابهم كان يبتعد كثيرا عن ادبياتهم السابقة، وانصبت هذه المرة بالحقوق المدنية والشعبية ومنها كما نادوا (الفساد الذي استشرى بالبلاد على حد وصفهم مؤكدين على ضرورة محاكمة المفسدين ، كما أنهم طالبوا وبإلحاح واضح أن تفرج السلطات الأمنية عن المعتقلين سياسياً.وهتفوا من أجل حل البرلمان وتبني الدولة لإصلاحات سياسية جادة يرافقها إعادة توزيع مكتسبات الدولة بشكل عادل على كافة محافظات وأبناء المملكة)
وهذا تطور جيد قد يعاد من حسنات الثورة الشعبية العربية، بتغير هام في خطاب حركات التشدد والتكفير وعودة انغماسها بالمجتمع ، وتجنبها التركيز على دولة دينية، وهذا الخطوات السريعة تعتبر نهضة انتظرها مراقبو الحركات السلفية الجهادية بان ينتقل، خطابهم من التفجير والقتل والتكفير إلى المطالبة المدنية، وانصبت مظاهرات عمان ومعان السلفية على المطالبة بالإفراج عن رموزهم الدينية من سجون الأردن وخاصة عصام البرقاوي ابو محمد المقدسي .
هذا في السلفية الجهادية التي لا تقبل في الحوار بغير تطبيق الشريعة، وإقامة حدود الله ومجهادة الخارجين عن أوامر الله، فقد شهدت السلفية الأردنية المعتدلة جدلا كبيرا بعد ظهور الشيخ علي حسن الحلبي على إحدى قنوات الجماهيرية الليبية ، وهاجم المظاهرات الليبية واعتبرها خروج على الحاكم.
تصريحات الحلبي أغضبت صحيفة السبيل التابعة للإخوان المسلمين، فانتقدت موقفه والذي اعتبرته مناصرة للطاغية، وكذلك توافقه وصديق عمره الشيخ حسن مشهور في أن المظاهرات معصية لله وخروج على ولي الأمر. وفيما بعد صرح مشهور بانه يقف ضد الظلمة وسافكي دم شعوبهم.
الحلبي ومشهور من تلاميذ الشيح الألباني احد كبار علماء السلفية وصاحب المؤلفات المشهورة في الحديث، ولها علاقات قديمة وواسعة مع سلفية السعودية الموالية للحكومة، لذا جاء كلامهما متوافق مع فتوى هيئة لجنة كبار العلماء التي حرمت المظاهرات .
الحلبي ومشهور يحظيان بتلاميذ كثر يحضرون دروسهما ويتابعان موقع الحلبي الالكتروني " منتديات كل السلفين " لكنها في المقابل في نظر السلفية غير الموالية للأنظمة والجهادية تعتبرهما من أتباع الجكومات وتتهمها بأنها تلقيا اموالا باسم التبشير السفلي السعودي في الأردن.ويلقون عليهم السلفية الرسمية.
الحلبي رد في موقعه على صحيفة السبيل (الجائرون عن "السَّبيل" يُهاجِمونَنَا - بِالتَّهْوِيل -، وَبِالكذبِ المكشوفِ الهزيل)
الشاب صاحب التوجه السلفي والمقرب من الإخوان المسلمين وائل البتيري انتقد بشدة مقال الحلبي واعتبره انه مؤسس السلفية الحكومية في الأردن، وفصل نقد الحلبي بشكل موسع استغرق نشره في ثلاة اجزاء طويلة وفي مقدار صفحة كاملة من صفحات السبيل في كل مرة، واتهمه بالكذب، ومجاراة الطاغوط القذافي.مستعملا أسلوب السفلين بايراد جمل خصومهم ومن ثم الرد عليها، والانتقال إلى بعدها، معترضا على تخريج حديث، وغيره.
واستعمل البتيري خبرته في تاريخ الحلبي لنقضه سياسيا مذكرا إياه بنقله عن الكتب ، و ، وهذا اسلوب معروف في الحركات الدينية التي تسعى الى افقاد الشرعية والثقة اولا عن خصومهم في حال الاختلاف السياسي وذلك لنفي التقوى، والثقة بين المراقبين أو العوام أو حتى التلاميذ.لنزع الثقة بالموقف السياسي النابع من مكانتهم الدينية.
البتيري الذي يعمل في صحيفة السبيل مدققا لغويا ومحررا، كان قد عمل مساعدا في تحقيق الكتب، مما اكسبتبه براعة في تخريج الأحاديث ، وعلما فاق عمره الشبابي، وتمرس في السياسة مستفيدا من اختصاص الإخوان المسلمين، الذين كانت علاقاتهم متشعبة ومتماكسة مع السفلين ومتناقضة سياسيا في مواقف أخرى.
الكاتب الاخواني ذو الهوى السلفي بسام ناصر هاجم في نفس الصحيفة بأسلوب سياسي أكثر حدة من رد البتيري، فناصر اعتبر ظهور الحلبي على القناة الليبية استغلال للمكانة الدنية في تأييد زعيم يقتل شعبه، ويعتبر عدو للجماعات الدنية محترما الحلبي كداعية وخبير في علم الحديث ومنتقدا لموقفه السياسي بعكس البتيري الذي سعى إلى إسقاط الشرعية والعلم الموثوق اصلا عن الحلبي قبل تفنيد رده.
وفي خضم إعصار التحرير العربي، سنشهد ولادات سياسية كثيرة ، ومتجددة ومنها ثلاثة، وتطورات غير مسبوقة في جميع الاتجاهات، وأهمها عودة السلفية الجهادية إلى الشارع،ولكن في اتجاه مدني هذه المرة ولين خطابها حتى تستعيد ثقة المواطن، الذي نسبها إلى صناعة الإرهاب، ظهور سلفية متحالفة مع تيار الإخوان المسلمين،متجاوزين صراع حماس مع التيارات السلفية الجهادية في غزة وظهور تيار سلفي يسعى بدون استعمال القوة إلى الضغط على الحكومات بالحكم بالشريعة وتطبيق أوامر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد يتصعد خطاب الولاء والبراء من جديد.. فيما سيقل تأثير السلفية الحكومية وستفقد شعبيتها التي لن تعود مؤثرة على شعب أصيب بقوة التغير وعدم الاستكانة لأي مهدئي ديني أو تحذيري.
فبيعة ميدان التحرير شملت كل من شاهدها وستكون فتاوى لجان العلماء وغيرها رسمية وغير مقنعة .
Omar_shaheen78@yahoo.com