حســمـهـا الملك فـي 25 دقـيـقـة

أخبار البلد - عمر كلاب

 

دون مهادنة أو مواربة أعلن الملك الحرب على الارهاب داخل الأردن وخارجه ، وتجفيف منابعه بالحرب على المؤيدين والمروجين للفكر الارهابي ، موجها حديثه ويده إلى ثُلّة من حماة الديار كانوا على شرفات مجلس النواب ، فشعار الجيش العربي ليس صدفة كما قال الملك وليس مجردا من مضامينه القومية التي تستدعي الدفاع عن الأرض العربية والأرض الأردنية .
الملك اختصر كل الكلام بقوله « هي حربنا « في اشارة الى الحرب على الارهاب والتنظيمات المتطرفة التي عاثت في الارض فسادا واستباحت الدم الانساني دون تمييز في الجنس او الدين او المذهب ، فقطع الملك كل تأتأة او لجلجة في هذا الملف الحساس ، الذي يستشعر بعض المشككين بأنها حرب وهمية او نستطيع تجاوز اثارها وارتداداتها على الاردن والمحيط العربي والاقليمي .
بنفس الحسم كانت لغة الملك حيال الاقصى والمقدسات وواجب الدفاع عنها ، ونصرة القضية الفلسطينية التي ستبقى على الدوام هاجس الاردن ومحط اماله وطموحاته حتى الوصول الى الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، مستمرا الحسم في الموقف الاردني حيال ما يحدث في سوريا بأن الحل السياسي هو الطريق لانهاء الازمة السورية وبمشاركة كل الاطراف السورية .
الملك تحدث الى مجلس الامة بموقعه ونسبه ، فالاسلام يتعرض لاكبر خطر في العصر الحديث وما قبل العصر الحديث ، وحجم الخطر مضاعف لانه قادم من نفس الرحم وليس من خارجه ، والخطورة تأتي من الداخل وليس من الخارج ، بعد ان فتحت تلك التيارات المتطرفة النار على الاسلام واتباعه وعكست صورة مشوهة ومضللة عن الدين الحنيف الذي ارسى قواعد الحرية والديمقراطية وقبول الاخر ، ونَسب الملك يحتّم عليه التصدي لهذه الهجمة الشرسة ولا احد غيره يستطيع لجم هذا الخراب القادم من الشرق والغرب على حد سواء .
ما قاله الملك في 25 دقيقة هي عمر الخطاب الى مجلس الامة السابع عشر ، يحتاج الى وقفات طويلة لتحليل مضامينه واستخلاص نتائجه الداخلية والخارجية ، فمسيرة الاصلاح الواثقة تمشي بتدرج وواقعية تتطلبها اللحظة الاردنية الراهنة ، ولا تراجع عن الحكومة البرلمانية التي بدأت خطوتها الاولى عن طريق مشاورة النواب والكتل النيابية ولكنها لن تستمر عند هذه العتبة بل يجب التاسيس لخطوتها الكاملة من خلال الاسراع في تشريع قوانين البلديات والمجالس المحلية والانتهاء بقانون الانتخاب الذي يدفن والى الابد الصوت الواحد والكتل الرخوة .
الملك قدم نظرة مستقبلية لشكل القادم اردنيا على المستويين الداخلي والخارجي وان كان العنوان الاعرض للخطاب هيبة الدولة وتطبيق القانون ، فلا مجال للوصول الى المأمول بتراخي الدولة او بفقدانها لادواتها القانونية لمحاسبة كل من يخرج عن القانون ، وتقوية شكيمة القوات المسلحة وشقيقاتها من الاجهزة الامنية ، فالديمقراطية احوج الى المخالب من غيرها .
اللغة الحاسمة التي استخدمها الملك في خطابه و الخالية من أي لُبس ، يجب ان تكون هاديا للحكومة كي تبدأ العمل مع مجلس الأمة لتحويل الخطاب إلى اجندة عمل سياسية واقتصادية وأمنية ، ويجب ان تتحرك قوى الفعل السياسي والمجتمعي للاستعداد لمرحلة جديدة قوامها الحضور على الأرض بالبرامج والخطط ، فلا مكان على الأرض السياسية لمن يأتي بأوراق بيضاء خالية من تسطير البرامج والرؤى ، فالدورة التي انطلقت لن تكون دورة عادية بالمعنى التقليدي فثمة قوانين تحتاج الى حوارات عميقة يكون فيها النص حاضرا وبديله ايضا .