بيضة طائشة

تطوى أكياس الطحين التي افترشتاها على مدار أسبوع، بقع الزيت اليانع النازف من حبات الزيتون تترك بصمات واسعة على أكياس النايلون البيضاء حتى باتت تشبه لون التمويه على الملابس العسكرية..رائحة الغرفة تفوح بمزيج من رائحة الزيت البكر وبرّية الحواكير، أرجل «خدرانة» هنا وهناك..وأصابع لامعة بالصبغة السوداء ، في نهاية المهمّة العائلية تُجمع أدوات «الدق» ؛الأحجار الملساء ، وكسر «البلاط» ،وحصى الوادي...تغسل جيداً وتخبأ في شباك البيت الغربي المرتفع للموسم القادم...
كانت تمرّ المراحل بنضوج..واتزان..لم تنس أمي في حياتها خطوة اعتادت على القيام بها ، مهما كانت صغيرة وغير مؤثرة ، ولم تغيّر ترتيب عملها اليومي مهما كان لديها من أجندة بيتية مزدحمة...فهي تتعامل مع البيت كدولة..وإدارة البيت خليط بيت سياسة واقتصاد وأمن..لذا بعد أن تترك الزيتون «المنقوع» يومين في الماء ليزول الطعم «المرّ» منه.. تكون شرائح الليمون قد سال لها لعاب «الطشت»، وقطع الفلفل المكوّمة في وعاء آخر تتعرق من «الحرورة» والانتظار...تأتي للخطوة الأهم وهو «تطييش البيضة»...كل ما سبق لا يعني شيئاً في عملية «الكبيس» ان لم يتم «تطييش البيضة» المقياس البسيط لمنسوب الملوحة في الماء...فلو زاد الملح كثيراً او نقص عن المطلوب فسد الكبيس وضاع التعب...

كانت تذوب أمي قدرا من الملح في الماء المخصص للتخليل...ثم تحضر أمي بيضة متوسطة الحجم..وتضعها في طشت الماء أن غرقت تزيد الملح المذوّب قليلاً...حتى ترتفع و»تطيش» على وجه الطشت عندها تعرف أن الملوحة مناسبة تماماً لعملية «الرصيع»...


الذي دعاني للكتابة حول هذا الموضوع..بعد سنتين من رفع الأسعار الا يوجد «بيضة اقتصادية» نقوم بتطييشها لنعرف أين صرنا من التصحيح الاقتصادي..الا يوجد هناك مقياس يشبه مقياس أمي نعرف ان كنا على المسار الصحيح .