الحكومة التي نريد
انشغلت الصالونات السياسية وبعض الأحزاب بمتابعة أخبار التغيرات المرتقبة على الحكومة الحالية، سواء بإجراء تعديل وزاري واسع، أو بإقالة الحكومة وتكليف رئيس وزراء جديد، يكلف بإجراء مشاورات لتشكيل حكومة جديدة، وفق كتاب تكليف ملكي يبين من خلال المهمات الملقاة على كاهل الحكومة لتنفيذها.
ولكن كتب التكليف الملكي بشكل عام تحمل نفس العناوين والمعاني، ولكن ما أن تحصل الحكومة على ثقة مجلس النواب «المضمونة» حتى تتخلى عن كتاب التكليف الملكي، وحتى عن كتاب الرد على كتاب التكليف الملكي، وعن برنامجها أمام مجلس النواب لنيل الثقة بموجبه، وهذا يعني أن الحكومات المتعاقبة لم تلجأ في أي من مراحل بقائها على الالتزام بأي من محاور كتاب التكليف الملكي، بهدف إنهاء وإنجاز ذلك الملف، وخاصة إذا ما كان يتعلق بمصلحة غالبية الشعب الأردني، كمحاربة واجتثاث الفساد على سبيل المثال.
وفي الجهة المقابلة نجد أن القطاعات الشعبية غير مكترثة بأي درجة من درجات الاهتمام على إشاعات التعديل والتغيير الحكومي أو أي من المواقع الرسمية العليا. وهذه اللامبالاة تمتد إلى بعض الأحزاب الجادة التي ترى أن المطلوب ليس إجراء تغييرات شكلية، وإنما إجراء إصلاحات جذرية لتعزيز الديمقراطية.
وأما عدم الاكتراث الشعبي والجماهيري فيعود إلى فقدان الثقة بإمكانية أن يعود أي من عمليات التغيير «التجميلية» بالفائدة المرجوة على حقوقهم ومصالحهم، والارتقاء بمستوى معيشتهم.
كما أن مؤسسات المجتمع المدني وخاصة الحقوقية منها، والمستقلة عن السلطة التنفيذية وأجهزتها فإنها أيضاً تميل إلى كفة عدم الثقة بتوفر الإرادة السياسية، بالنهوض بحقوق الإنسان، وتعزيز الديمقراطية، وصولاً إلى نظام ديمقراطي يكفل تداولاً سلمياً للسلطة التنفيذية، وفقاً لقانون انتخاب يكفل الانتخاب على أساس برنامجي قائم على القوائم، وبعيداً عن الانتخابات الفردية، فالانتخاب الفردي أشجت عجزه عن القيام بالمهام التشريعية المطلوبة، من إقرار تشريعات أو تعديل أخرى، بما ويتفق مع أحكام الدستور والعهود والمواثيق الدولية كما أثبت عجزه عن إمكانية مراقبة ومحاسبة السلطة التنفيذية وأجهزتها.
على ضوء ما تقدم فإن هدف مطبخ القرار بإجراء تغييرات شكلية على قمة هرم السلطة التنفيذية بامتصاص النقمة السياسية والجماهيرية التي تسود هذه الأوساط لن تنجح.
إعادة الثقة بالسلطة التنفيذية، التي استمرت فقط بإصدار القرارات وتوجيه السياسات بما يفيد مصالح الفئة الثرية من المجتمع، على حساب غالبية الشعب الذي بات يعيش على مستوى خط الفقر، أو تحت مستوى خط الفقر، نتيجة للفساد الإداري والمالي الذي لما زال مستشرياً وفقاً لتقارير محايدة أو حتى شبه محايدة، ونتيجة أيضاً للاستمرار في فرض الضرائب ورفع نسبها المباشرة وغير المباشرة.
لذا فالمطلوب حكومة تمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً، وتحمل الأزمة وآماله بالعيش الحر والكريم، وحكومة تخطط للنهوض بالوطن وطن المستقبل الذي تمناها جميعاً، للخروج من أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.
والمطلوب حكومة تسهر على خدمة المواطن ومصالحه عبر ترسيخ دولة القانون، الذي يحقق مصالح الغالبية العظمى من المواطنين، وليس القانون الذي يخدم شريحة متنفذة سياسياً واقتصادياً، ودولة القانون الذي يتفق مع الدستور والمواثيق الدولية، وليس القانون الذي يقع دوماً في تناقض مع الدستور كقانون الانتخاب وقانون الجنسية على سبيل المثال.
هذا أقل ما يسعى المواطن لبلوغه.