احتفالية وادي عربة والأسئلة الصعبة
أخبار البلد - حازم عيّاد
في كل عام يحتفى بوادي عربة من خلال نشر كم هائل من المقالات وعقد عدد كبير من الندوات والمحاضرات، وفي هذا العام لم يختلف المشهد، فسيمدار بيري الكاتبة الصحيفة الاسرائيلية تناولت المعاهدة التي لم تجد مطلقا قبولا عند الاردنيين، فالسلام المزعوم لا مكان له بين الشعوب، فصول الاحتفالية تمتد الى الاردن حيث كثرت الندوات والتصريحات والتقارير الاخبارية التي تتناول وادي عربة من منظور اردني وتركز على دورها في حفظ وحماية الاردن من شبح الوطن البديل، محاضرات تتناول العلاقات الاردنية الفلسطينية في سردية طويلة غير منقطعة، فالعلاقة الاردنية الفلسطينية ليست تاريخا بل واقعا نعيشه يوميا.
الجديد في هذه الاحتفالية هذا العام أنها تأتي في ظل هجمة صهيونية متطرفة لا تكل ولا تلين على المسجد الاقصى، تسير بموازاتها هجمة استيطانية شرسة بإبعاد سياسية مرتبطة بالمشروع الصهيوني الممثل باليمين الذي بات الحاكم الفعلي للكيان الاسرائيلي، فـ60% من جيش الكيان الاسرائيلي وقياداته العليا باتوا من المتدينين والاحزاب اليسارية بل العلمانية ونخبة «الاحوساليم» باتت من الماضي، فالدولة الان دينية متطرفة بكل ما تعنية الكلمة فهي الان خرجت من عباءة «القومية» الدعاة والاباء المؤسسين كـبرجينسكي وهرتزل، جيل جديد نتنياهو بينت وليبرمان وغيرهم كثر ومن يريد ان ينافسهم عليه ان يكون اشد تطرفا منهم بالتأكيد، هذه التغيرات البنيوية ان صح التعبير انعكست بشكل واضح على البرنامج السياسي المطروح الذي يقف على رأسه الدعوة للاعتراف بيهودية الدولة ككيان عنصري ديني واخرى للاستيلاء على الاقصى وثالثة بإحياء الوطن البديل على الارض الاردنية.
لا احد الى الان يريد الاعتراف بهذا التغيير الكبير والحاسم، وان كان لافتا ان رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد السلام المجالي رئيس الوفد الاردني المفاوض مع الاسرائليين أقر بأن اسرائيل لم تتخل عن حلمها باقامة الوطن البديل في الاردن ووضع ذلك بموازاة الحلم الفلسطيني والعربي في استعادة حيفا ويافا، حقيقة تظهر جلية على ارض الواقع من خلال السياسات الاستيطانية والهجمة على الضفة الغربية والحروب العدوانية على غزة والصعود الكبير لليمين فرغ اوسلو من مضمونها وفرغ اتفاقية وادي عربة، فالمدرسة الصهيونية التي تتعامل مع فلسطين هي ذاتها التي تتعامل مع الاردن، في حين نشهد رد فعل ومقاومة فلسطينية لا تخرج عن حدود الامكانات الفلسطينية بدون عمق عربي يساعد على خلق التوازن المطلوب والمعادلة السياسية المعقولة القادرة على الوقوف في وجه التحدي القادم من الغرب فالمعاهدات وحدها لا تكفي لحماية الاوطان في ظل الخلل في موازين القوة.
وفي توصيف آخر لرئيس مجلس الاعيان ورئيس الوزراء السابق عبد الرؤف الروابدة للعلاقة الاردنية الفلسطينية تحدث عن خيبات الامل الاردنية والتغيرات الاقليمية والدولية والهواجس الاردنية التي كرستها التجربة المريرة التي عاشها الاردن على مدى الـ90 عاما الماضية، الا ان كلا المحاضرين لم يشر الى الآلية الواجب اتباعها للتصدي للهجمة الصهيونية وللصعود القوي والبنيوي لليمين الصهيوني المتطرف، فما هي السبل لمواجهة هذا التحدي الذي بات يهدد استقرار الاقليم بأكمله، خطر يفوق في اهميته الاحداث الدامية والصراعات المشتعلة في سوريا والعراق، وكلاهما لم يشر الى التغيرات الحاصلة في الساحة الفلسطينية وصعود قوى جديدة يجب اخذها بعين الاعتبار عند وضع خطط استراتيجية بل ان الاردن قادر على لعب دور مهم في لم شمل الفلسطينيين ودعم مصالحتهم.
يصعب في مقال معالجة كامل تفاصيل الاحتفالية القائمة بوادي عربة ومغزاها الا ان الحقيقة الظاهرة والواضحة ان هناك تحولا كبيرا في دولة الكيان الاسرائيلي لا يبشر بخير قريب وان هناك هجمة على الاقصى وعلى الاراضي المحتلة عام 67 دون اجابات حاسمة من احد على السبل الواجب اتباعها لمواجهة هذا الخطر المتعاظم يوميا بل ساعة بعد ساعة.