مصارع

«الزمن.. كل ما أعوزه لأجدها».. عبارة رسخت في ذاكرتي لكاتب أو شاعر مر ذات قراءة، ما عدت أذكر اسمه، ولا من «هي» التي يبحث عنها، لكني أدرك الآن أن الزمن لا يتوفر لأحد، ولا حتى لباحث عن فردة حذائه الثانية.
نفس الفكرة تقودني لشاعر آخر هو الزميل أحمد المعطي، الذي قال مسترجعا عنفوان المتنبي :
أنا ثورةُ المُتَوقِّدِ.. والناسكِ المُتَعبِّدِ
لأجد نفسي أغبطه على هذا التحليق، فمنذ تكسرت أجنحتي، ما عاد ثمة مدى.
نعم يا صديقي، ما عدنا نثور..ﻻننا بتنا بلا قلب، فقدناه عندما انكسر اليراع وطوينا الأشرعة قبل أن نسافر في أيما رحلة ..لم نعد نليق بالبحار والموج والنوء وتقلبات الطقس والزهر وموعد مغامر تحت زخات مطر.
لم نعد نليق بالنسك، والذرى.. والترفع عن أوحال هذه الحياة، مذ زجت بنا قوى السوق في معتركاتها السخيفة، وكأننا ضحايا خاطف ملعون، على حد تعبير بول ايلوار، ندفع فيها كما تدفع الثيران في ممر الى ميدان المصارعة، دون ان يدور في خلدها البليد.. أنها مَصارعها.
كيف مر كل هذا الزمن، وصرنا على الرغم من كل ادعاءاتنا مجرد جذوع يابسة ومشروع احتطاب، نعاني آلام الروماتيزم، وتداعيات واخفاقات القلب، ولا يشعر أحد بآلامك إللاك! ومع هذا ينصب كل اهتمامنا على تقلبات السوق، وقيم فواتير الكهرباء والتسوق ومواعيد الاقساط، وهل رفعت أو خفضت الحكومة المحروقات، وهل رفعنا هاماتنا او خفضناها بأكثر أو أقل مما هو مطلوب، دون أن نلتفت إلى الشمس أو الظل وصخب الريح وما يصوغونه من عبق وجمال وصلاة.
عذراً.. سأبحث عن وردتي الثانية، عن مطري الثاني، عن صلاتي الثانية، عن ناي شارد، دون تكلف أو عنفوان، حتى ولو حبواً أو زحفاً أو متكئاً على عصا. لا أحد ينتظرني.. ولا الزمن!