أبعاد الإصلاح الاقتصادي

أخبار البلد - 
 

تبرز الحاجة لاعتماد استراتيجيات وسياسات وخطط تصحيحية عند ظهور مجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية تؤدي الى تغيّر البيئة والظروف أو فشل السياسات والخطط والبرامج التقليدية المعتمدة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المتوازن المستدام.

عملية الاصلاح الاقتصادي تتم إمّا عن طريق تصحيح السياسات والخطط والبرامج للوصول إلى الأهداف المطلوبة والمرغوبة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، أو ترك الاقتصاد الوطني على ماهو عليه لكي تتم عملية التصحيح تلقائيا بتكاليف سياسية واقتصادية واجتماعية قد تكون عالية نتيجة لابقاء الأوضاع على ماهي عليه وبدون تغيير. من الشروط الرئيسية وقبل الشروع في عملية التصحيح الهيكلي، تحقق الاتفاق السياسي حول أهداف التنمية الاقتصادية والسياسات الاصلاحية المطلوبة والمرغوبة اجتماعيا، والخطط التنفيذية القطاعية في إطار الإمكانات الماديّة والبشرية المتاحة، وقدرة ومرونة أصحاب القرار في إدارة المسارات المعتمدة وعند تغيّر الظروف وتحديد الزمن اللازم لتنفيذ تلك الخطط.

من أهم شروط نجاح الخطط ايضا وجود قيادات تنفيذية عليا "الوزراء ورؤساء الهيئات والمدراء"، وأجهزة مركزية وقطاعية تقوم بتحليل النتائج المتحققة بشكل دوري من خلال أحكام المتابعة والتنسيق والعمل على حل الاختناقات والمشاكل التي قد تبرز بين القطاعات خلال مراحل التنفيذ.

كما يشترط تحديد أولويّة المشروعات "الصغيرة والمتوسطة والكبيرة" ذات العوائد الاقتصادية والاجتماعية العالية في إطار أهداف خطّة التنمية، وتوفير البيئة المناسبة لتحقيق التكامل والتعاون الوثيق بين القطاع العام والخاص من خلال تعبئة وتوجيه الاستثمارات الداخلية والخارجية باتجاه المشروعات التي جرى اختيارها واعتمادها في الخطّة الاقتصادية.

تعاني الدول النامية بصورة عامة من هياكل سياسية واقتصادية متخلفة، تحكمها قيود مؤسّسية ونقص في المعرفة التطبيقية في كيفية التنفيذ والتحكّم بتزامن واتسّاق مسارات الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

كما تعاني تلك الدول من ضعف منظومة مؤسساتها في كيفية تعبئة وادارة الموارد المادية والبشرية باتجاه تطوير الطاقات الاستيعابية للبلد وادامة عمليتي التنمية والنمو وتحقيق رفاهية المجتمع. من أبرز الاخفاقات التي تواجهها الدول النامية ضعف وعجز السياسيين والاقتصاديين في التنسيق معا على تصميم خطط وبرامج وآليات تنفيذية ملائمة بشكل تكاملي في معالجة المعوّقات الهيكلية والمشاكل المستجدّة التي يواجهها الاقتصاد الوطني كنتيجة حتمية لحركة المجتمع في محيطه الداخلي والإقليمي والدولي.

لذا فإن من الشروط المسبقة في أي إصلاح اقتصادي وقبل تحليل ودراسة البيئة، ضمان مركزية القرار السياسي على مستوى الدولة والمجتمع. فعملية الإصلاح تتطلب التعبئة العامّة الشاملة للقوى السياسية والموارد المادية والبشرية كافة التي يملكها الوطن، وتوزيعها على أنشطة القطاعات العامة والمختلطة والخاصة وبما يحقق حاجات الدولة والمجتمع بشكل متوازن.

كما أن من القضايا الرئيسية في عمليتي التخطيط والإصلاح الاقتصادي، القيام بتحليل ودراسة هيكل النظام السياسي ومنظوماته وغاياته وآليّاته خاصّة التي لها علاقة بتصميم وتنفيذ الاستراتيجيات والسياسات والخطط القطاعية ومراقبتها. ومن الخطأ الافتراض بأن دراسة وتحليل الجوانب السياسية تقع خارج حدود عملية الإصلاح الاقتصادي. كما ان من الخطأ أيضا أن تصمّم الخطط والأنشطة الاقتصادية وفق أهداف وتصوّرات السياسيّين فقط نظرا لاحتمال وجود اختلاف في الرؤية، وتضارب في المصالح. لذا يصبح من الضروري جدا تعريف الأهداف السياسية في إطار المصالح الاقتصادية للمجتمع بشكل واضح وصريح وليس العكس.

في ضوء ذلك يمكن القول إن طبيعة عمل وكفاءة أداء المؤسسات السياسية يحدد بالضرورة النتائج التي ستؤول اليها عملية الإصلاح الاقتصادي نظرا لكون عمل الدولة والحكومة يمثّل آليات وقواعد اختارها المجتمع لكي تحكمه وتنظّم شؤونه وتحقق له أمنه ورفاهيته. لذا فإن نوعية المنظومات السياسية والمؤسسات الاقتصادية وكفاءة أدائها تعتبر عاملا مسيطرا وحاسما في رسم أبعاد مسارات التنمية والرفاهية في أي دولة ولأي مجتمع ولأي زمان.

في ضوء التجارب العالمية، اعتبر النظام السياسي الديمقراطي المنضبط الأكثر مرونة وكفاءة في تعبئة الموارد المادية والبشرية والأكثر قدرة على خلق مؤسسات اقتصادية ومالية ديناميكية في إطار التكيّف والتغيير والنمو والتطور! فقد وجد بأن النظام الديمقراطي يعمل على خلق دوائر من التأثير الديناميكي باتجاه استقرار البيئة السياسية والاقتصادية من خلال ضمان تدفق السلع والخدمات التي تقابل الاحتياجات الرئيسية للمواطن والمجتمع والدولة.

إن عملية الاصلاح الاقتصادي تتطلّب قبل إطلاقها إكمال هيكلة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتأهيلها في السيطرة على المسارات المتسارعة التي سوف تنتجها وتفرضها العملية الديناميكية للتغيير السياسي والاقتصادي.