صفعة «أميركية» لـ «أردوغان»!

انكشفت لعبة «الألغاز» التي حاول أردوغان فرض قواعدها على اللاعبين في الصراع على مدينة عين العرب (كوباني) ظنّاً منه، انه يمتلك الاوراق والقرار، وان لا أحد بمقدوره تجاوز الدور التركي او الالتفاف عليه، ولهذا لجأ «أولاً» الى لعبة شراء الوقت متذرعاً بالدبلوماسيين الأتراك وعائلاتهم الذين احتجزهم داعش بعد اجتياح الموصل في العاشر من حزيران الماضي، وما ان تم الافراج عنهم في صفقة مريبة (ما لبثت ان انفضحت)، بعد ان رضخ السلطان (أردوغان) لشروط الخليفة (البغدادي) فبادل رهائنه بسجناء الخليفة مضافاً إليهم حفنة من الدولارات والاسلحة والامتيازات على ما نقلت وسائل الاعلام التركية.
ولأن الذريعة (الرهائن) سقطت، فقد وقعت الادارة التركية في حيرة وتلبّسها الارتباك، لكنها استفادت من الهجوم المكثف والشامل الذي شنّه داعش على كوباني، فراحت تصف التنظيم بالارهابي وتقول انها لا يمكن ان تكون إلاّ في صف محاربة الارهاب وغيرها من التصريحات التي اطلقتها بلا رصيد ميداني او عملي، وكانت تتوقع وكما اكد اردوغان نفسه سقوط المدينة بين لحظة واخرى، ثم - وكي يكتمل المشهد التمثيلي- سارع رئيس وزرائه داود أوغلو ليقول في نفاق واضح إن أنقرة «لن» تسمح بسقوط كوباني، وفعلا لم تسقط المدينة - ويبدو انها لن تسقط-ليس بسبب تصريح اوغلو الذي زكمت رائحة نفاقه الانوف، ولكن بسبب بسالة وصمود مقاتلي كوباني، الذين سطّروا ملحمة مجيدة لدفع هذا الوباء المتوحش عن مدينتهم ووطنهم.
ضربة موجعة تلقاها اردوغان بعد الصمود البطولي لمقاتلي كوباني، ترافق ذلك مع الضغط الاميركي - المكرسة اهدافه لغير نجدة الكرد، حيث اعلن اكثر من مسؤولي أميركي ان همهم الاستراتيجي الاول هو العراق وليس كوباني، وان سقوط كوباني مأساوي ولكنه - والكلام للاميركيين - لن يُغيّر في جدول الحرب الاميركية على داعش، لكن اردوغان تمسك بموقفه وزاد على «شَرْطَيْه» لتصبح «أربعة» شروط، بدت للجميع وكأنها رفع للسعر كي يهرب المشتري، لانه لا يريد «بيع» حليفته او قل صنيعته داعش، ولانه يريد «وأد» اي بروز لنزعات الاستقلال او الحكم الذاتي لكرد سوريا الذين اذا ما انتصروا في كوباني، فانهم سيسيطرون على شريط حدودي يصل طوله الى خمسمائة كيلومتر، ما يُعرّض حلم (اقرأ وهم) اردوغان في اقامة منطقة عازلة او تسليمها الى حليفه مسعود برزاني للحظر، ما بالك انه يواصل مزاعمه بأن قوات الحماية الشعبية PYD وحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتزعمه صالح مسلم، هم من صناعة نظام الاسد؟..
هل قلنا برزاني؟
نعم، فقد وجه الاميركيون صفعة قوية لحليفهم التركي في «الاطلسي»، بعد ان التقى مسؤول اميركي بصالح مسلم في باريس، ثم-وخصوصاً-بعد ان أسقطت طائرات اميركية عملاقة، اطناناً من الاسلحة والمواد الغذائية والطبية جاءت من اقليم كردستان ومرّت فوق الاجواء التركية، فرفعت من معنويات المدافعين عن كوباني وكانت في الآن ذاته، مثقلة بالرسائل والاشارات التي يصعب على اردوغان وحكومته واستخباراته تجاهلها، الامر الذي اجبرهم جميعاً-في أنقرة-على القيام بخطوة تبدو مثيرة، لكنها تعكس ارتباكاً وتخبطاً وغياباً واضحاً للخيال السياسي والرؤى الاستراتيجية، فأعلنت انها ستُسهّل عبور البشمركة (جيش برزاني واقليم كردستان) الى كوباني عبر الاراضي التركية..
فما الذي طرأ واجبر السلطان العثماني الجديد على تغيير...قبعته؟
الاميركيون يقولون ان حزب الاتحاد الديمقراطي «ليس» ارهابياً، وبالتالي هم «يتعاونون» معه (في واقع الحال هم يريدون استمالته وابعاده عن دمشق وتدشين تحالف جديد بينه وبين ما يوصف بالجيش الحر، الذي اعادوه الى الاضواء عبر تسريب اخبار غير مؤكدة ومشكوك فيها، بأن الاخير «الحر» يُشارك في المعارك، وانه حرّر بعض المباني والمواقع الاستراتيجية في كوباني)، فيما يقول اردوغان ان الحزب وقوات الحماية الشعبية، منظمات ارهابية تماماً كما الحزب الذي يتبعونه ويقصد هنا حزب العمال الكردستاني التركي PKKبزعامة عبدالله اوجلان..
الخلاف بين «الحليفين» واضح، والاميركيون بعد ان «تعبوا» من عناد اردوغان قرروا اللعب منفردين في انتظار غضبة اردوغانية جديدة، قد تطيح ما تبقى من صبر اميركي لتبدأ واشنطن التعاطي معه من موقع «الداعم» للارهاب واعادة الاعتبار لما كان نائب الرئيس الاميركي جو بايدن قد قاله بأن اصدقاءنا ولفرط رغبتهم باسقاط الرئيس السوري بشار الاسد، قدموا كل انواع الدعم التسليحي والمادي واللوجستي لمنظمات ارهابية..
هل يمضي اردوغان قُدُماً في دفع برزاني-عبر البشمركة-لوراثة صالح مسلم وحزبه وقواته وبالتالي ايقاع الفتنة بين الكرد؟.
من السذاجة الذهاب في هذا الاتجاه، بعد ان تأكد الكرد وخصوصاً برزاني، ان اردوغان اراد استخدامهم «كورقة» من اجل استعادة مجده العثماني، تماماً كما استغل ثوار الفنادق السوريين، لاسقاط الدولة السورية (وليس فقط النظام) وتجسيد حلمه باستعمار تركي جديد لبلاد العرب.
.. عبثاً يحاول.