المديونية تسبق العجز
يرتفع الدين العام عاماً بعد آخر لأن عجز الموازنة العامة لا يمكن تغطيته بغير الاقتراض. وإذا كان الامر كذلك، فإن زيادة المديونية يجب أن تطابق حجم العجز في الموازنة، لكن هذا لا يحصل، ذلك أن عجز الموازنة خلال النصف الأول من هذه السنة بلغ 354 مليون دينار، في حين ارتفعت المديونية بمقدار 995 مليون دينار، فما هو تفسير الفرق البالغ 641 مليون دينار، ولماذا ترتفع المديونية بمقدار ثلاثة أمثال عجز الموازنة؟ وين راحت المصاري؟!.
يفسر هذه المفارقة أن هناك نفقات عامة لا تقيد في حسابات الموازنـة، ولكن يتم تمويلها بقروض مصرفية بموجب كفالات حكومية، والمثال البارز على ذلك هو كلفة دعم الكهرباء التي تسجل خسارة في دفاتر شركة الكهرباء الوطنية المملوكة من الحكومة بنسبة 100% وتغطى بقروض أو سندات تكفلها الحكومة وبالتالي تظهر ضمن المديونية ولا تؤثر على العجز الشكلي في الموازنة الذي لا يعبـّر عن الواقع. وما ينطبق على دعم الكهرباء ينطبق أيضاً على دعم الماء.
في هذا المجال يقال ان الخسائر المتراكمة في شركة الكهرباء الوطنية تزيد عن خمسة مليارات من الدنانير تمثل الخسارة الناشئة عن بيع الكهرباء بسعر يقل عن الكلفة وكان يجب أن تظهر ضمن النفقات الجارية في الموازنة كدعم الخبز والأعلاف وغاز الطبخ وغيرها.
لماذا تلجأ الحكومة إلى هذا الاسلوب المحاسبي الذي يخفي الحقيقة عن قارئ الموازنة العامة؟ ولماذا يسكت ديوان المحاسبة بصفته مدقق حسابات الحكومة ولا يتحفظ إظهاراً للحقيقة، بل إن خبراء صندوق النقد الدولي يتعاملون مع عجز الموازنة الظاهري وكأنه العجز الحقيقي ويعبرون عن سعادتهم بانخفاضه مع أنه قد يكون قد ارتفع إذا أخذنا دعم الكهرباء والماء بالحساب وهو بجميع المقاييس إنفاق ٍجار ٍ.
تلجأ الحكومة إلى هذا الأسلوب لتقول أن عجز الموازنة يقل عن 5% مع أنه يناهز 8% من الناتج المحلي الإجمالي، كما تستطيع أن تقول أن العجز المالي انخفض عما كان عليه في السنة السابقة مما يعتبر إنجازاً لولا أن المديونية تكون قد ارتفعت بمقدار ضعف العجز المعترف به في الموازنة.
الوضع المالي بحاجـة لحلول مالية حقيقيـة وليس حلـول محاسـبية.