السلطة المطلقة مَفسدَة و مَهلكَة

بسم الله الرحمن الرحيم
قد علمنا من ديننا الحنيف الاسلام العظيم ومن التاريخ الطويل لدولة الخلافة الاسلامية التي اغتصبت في الحرب العالمية الاولى بالتخطيط اليهودي و تنفيذ الاستعمار الغربي الصليبي ، قد علمنا أخطار السلطة المطلقة بيد الحاكم المطلق ومآلاتها .. و لدينا في تاريخنا الحجاج بن يوسف الثقفي مثالا بارزا.
ومنعاً لذلك اشترط الاسلام شروطا و صفاتٍ للحاكم المسلم أولابالعلم و الاهلية و للحكم ثانيا بالعدل و الشورى المبنية على تعاليم الاسلام الواردة في الكتاب و السنة ،وهي أبعد ما تكون الآن عن انظمة الحكم العربية الاستبدادية .
لكننا هنا نورد مثالا من العصر الحديث ومن تجارب الأخرين العلمانيين ليعلم من لا يزال يرى السلامة في مداهنة هذه الانظمة العربية الاستبدادية و مداراتها .
أجرى عالم النفس الامريكي " فيليب زمباردو" تجربة في جامعة " ستاند فورد " الامريكية عام 1971 م لمعرفة النتائج المترتبة على حيازة الانسان للسلطة المطلقة .
انشأ هذا العالم " سجنا " في الطابق السفلي من بناية قسم علم النفس بالجامعة ، و قسّم الطلاب إلى مجموعتين ، المجموعة الأولى تلعب دور السجناء و المجموعة الثانية تلعب دور الحراس .
أخبر العالم المجموعتين أن هذه التجربة تقوم على أساس " السلطة المطلقة للحراس " ، فمن حق الحراس أن يتخذوا ما يحلو لهم من إجراء بحق السجناء دون مساءلة من أحد ولا عقوبة عليهم ولا يسألون عما يفعلون بالسجناء و أنّ لهم السلطة المطلقة عليهم .
ذهبت مجموعة الطلاب السجناء كل إلى بيته و لبست مجموعة الطلاب الحراس زي الشرطة و انطلقوا لأحضار السجناء من بيوتهم مقيدين بالاصفاد و اودعوهم السجن .
ترى ماذا كانت النتيجة ؟! لقد كانت النتيجة كارثية
محزنة و أثارت ضجة واسعة في الاوساط العلمية .
فقد لاحظ العالم " التحول المرعب " الذي طرأ على الحراس الذين كانوا يشعرون بأنه لا توجد مساءلة لهم ولا عقوبة عليهم مهما فعلوا ، و شعروا بالنشوة و الاعتداد لامتلاكهم السلطة المطلقة .
لاحظ العالم " فيليب " عبر شاشات المراقبة بأن الحراس صاروا يتعاملون بخشونة و عنف مع السجناء لدرجة وصلت إلى حد شتمهم و ضربهم و تعذيبهم رغم ان هؤلاء الطلبة الحراس قد عُرفوا سابقا بين زملائهم بالجامعة بتهذيبهم و وداعتهم و لطفهم .
لاحظ العالم عبر شاشات المراقبة أن السجناء بدأوا بالانهيار لتعرضهم للأذى الشديد فخرج أول طالب من مجموعة السجناء بعد مرور 36 ساعة فقط على التجربة إذ لم يعد يحتمل و طلب اعفاءه من الاستمرار بالتجربة وهو بحالة نفسية سيئة .
وفي غضون 6 أيام كان أربع طلاب من مجموعة السجناء قد غادروا السجن و رفضوا المضي بالتجربة لعدم قدرتهم على الاحتمال و شعورهم بالاهانة .
أخذ الوضع بالتدهور أكثر و أكثر حتى أن العالم نفسه شعر بالخطر على بقية الطلاب السجناء و فكَر باستدعاء الشرطة الحقيقية للسيطرة على الوضع و لوقف و ألغاء التجربة خوفا من تطور الوضع للاسوأ.
استنتج العالم " فيليب " من هذه التجربة قاعدة علمية تدرّس الآن في كل مراجع علم النفس تقول ( السلطة المطلقة تُخرج أسوا ما في النفس البشرية ) .
لم يحتمل طلاب جامعة " ستاند فورد " هذه التجربة لأكثر من ستة أيام.. اما نحن العرب فقد مضى علينا تحت هذه التجربة قرنا كاملا مئة عام بالتمام و الكمال ، فهل ما زلنا في قائمة البشر و إحساسهم أم أننا فقدنا الصفات الأدمية ، لآن السلطة المطلقة تحوّل الأنسان إلى شيء آخر .. إذ تحوّل المحكوم إلى بهيمة مستعبدة تأكل و تشرب و تنام و تعتقل و تعذب و تقتل بالشارع إذا لزم الأمر، كما تحوّل الحاكم إلى وحش كاسر و حيوان مستبد بنصّ الدستور .

إنّ أقل ما يمكن أن يقال في هذا الباب أنه لا يجوز لأنسان يحس بآدميته و كرامته على وجه البسيطة أن يقبل أن يكون حاكمه سلطانا مطلقا .
قال الله تعالى " ولقد كرّمنا بني أدم " .
ضيف الله قبيلات