لا يا صاحبي المعالي

لم أكن راغبا في الدخول في سجال مع أي من الوزراء، إذ يكفيهم النار المفتوحة عليهم من مختلف قطاعات المجتمع، بسبب سياسات الحكومة التي أرهقت المواطنين، وأثقلت كاهلهم بسياساتها الاقتصادية، وبسبب التعامل بمعايير مزدوجة مع القضايا وآخرها بسطات العبدلي ووسط البلد، وعدم قدرتها على بسط ولايتها على الاجهزة التي يفترض أن تكون تابعة لها، فالناس لم ينسوا بعد قضية ذهب عجلون، ما أوقعها في الحرج الشديد، وجعل المواطنين يستعجلون رحيلها.
إلا أن التصريح المنسوب لوزيري الشؤون السياسية والبرلمانية والأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الذي جاء فيه(إن القانون لا يسمح لخطيب الجمعة بالحديث في قضايا سياسية وأن كاتب هذا المقال خرج في خطبه على قانون الوعظ والإرشاد) حملني على التوضيح، لأن التصريح انطوى على مغالطات لايمكن السكوت عليها. وحتى لا يستمر مسلسل إقصاء الخطباء الذين يدركون مسؤوليتهم أمام الله تعالى ثم أمام شعبهم.
فهذا التصريح يدل على عدم دراية بالقانون من جهة، وعلى عدم إدراك لرسالة المسجد في تنوير الرأي العام، استنادا إلى الحقائق القرآنية، والأحاديث النبوية، والفقة المستنير من جهة أخرى. فالقانون لا يحظر الحديث في السياسة وإلا كان قانونا يصادم شمولية الإسلام وايجابيته باعتباره دينا للحياة يشمل كل جوانب الحياة، ويقدم الحلول السليمة والعملية للقضايا التي تواجه الفرد والمجتمع، فقول السيد وزير الشؤون السياسية والبرلمانية (إن القانون لا يسمح بالحديث في قضايا سياسية، وأن التوقيف جاء بموجب القانون) يؤكد أنه لم يطلع على القانون، فالقانون لم يحظر الحديث في قضايا سياسية، وانما اشترط في مادته الثالثة(أن يتصف الواعظ ويلتزم في المساجد بإسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، ولا يجوز له أن يتهجم ويتهم ويحرض على الأفراد والمؤسسات ويخرج على حدود أدب الدعوة الاسلامية ).
ولو سلمنا معه جدلا بعدم التعرض للقضايا السياسية فكيف يسهم الخطيب في تعزيز الأمن الوطني، والوحدة الوطنية، والتحذير من التطرف والإرهاب والتعصب؟ وكيف يسهم في توجيه الرأي العام للمشاركة في الحياة العامة، ونصرة قضايا الأمة، وفي مقدمتها قضية القدس التي يجري تهويدها، والاعتداء على حق الدولة الاردنية في الولاية الدينية على مقدساتها ؟
إلا اذا اعتبر معاليه أن هذه القضايا لا تعتبر قضايا سياسية. أما قول السيد وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية: إن كاتب هذا المقال خالف قانون الوعظ والإرشاد والخطابة) فإني أدعوه إلى مراجعة القانون، ليعلم أن الخطيب لم يخالف القانون، ولم يخرج على النهج الذي درج عليه منذ عام 1970 وهو نهج وسطي موضوعي متصف بالحكمة والموعظة الحسنة، وبعيد عن التهجم والاتهام والتحريض، وقد أسهم مع كل الخيرين في هذا الوطن في حمايته من لوثات التطرف والتعصب، وفي التصدي للممارسات والسلوكيات المنافية لديننا وقيمنا وأخلاقنا.
وليسمح لي صاحبا المعالي أن أسألهما، وهما زميلان حزبيان قبل أن يكونا وزيرين، لماذا تمت مخالفة المادة السابعة فقرة(ب) من القانون، التي نصت على أن يكون المنع بتنسيب من أمين عام الوزارة، ومدير الوعظ والارشاد، واشترطت تبليغ الخطيب خطيا ؟ فهل تم ذلك؟ أم أن الخطيب هان على الوزارة بحيث أصبح يعهد الى موظف ما في مديرية ما بإبلاغه بالتوقف عن الخطابة.
لقد كان الأجدر بصاحبي المعالي أن يقولا إن قرار المنع قرار المؤسسة الأمنية، وأنهما لم يستطيعا وقف تنفيذه، وأنهما ليسا الوحيدين المحكومين بالقرار الامني، بدلا من اللجوء الى تبرير متهافت غير مقنع.
وأخيرا فإنني أحذر من الهيمنة الأمنية على المنابر المسجدية، ومصادرة حق الخطباء والوعاظ والدعاة في ممارسة حرية مضبوطة بضوابط الشرع ومصالح الامة، مستذكرين الحصاد المر لسياسية مصادرة المنابر على بعض الأشقاء العرب، الذين فقدوا الثقة بالمنابر المسجدية وراحوا يبحثون عن منابر أخرى فكانت النتائج التي تعلمون والتي نعيذ وطننا منها.