فوبيا دبلوماسية
هب حزب الوسط الاسلامي ليندد بالسفير الايراني في عمان، معترضا على ما سمّاه اغراءات السفير في لقائه مع اعضاء لجنة السياحة البرلمانية، المتمثلة بفتح الباب امام زيارة عشرات الاف الايرانيين الى مقام سيدنا جعفر بن ابي طالب.
هبة الحزب مع احترامنا له، لم نسمع مثلها امام عشرات الاف الاسرائيليين الذين يجوبون الاردن من شماله الى جنوبه، لكنها الدنيا بانقلاباتها وصراعاتها المذهبية التي قسمت هذه الامة، وجعلت الاولويات تنقلب وتتغير، تحت وطأة عوامل كثيرة، من بينها مايجري بطبيعة الحال في سورية والعراق وغير ذلك، ويتم اسقاط عنصر الجوار التاريخي في عز هذا الصراع المذهبي الذي يذبح المسلمين في كل مكان.
يأتي كلام حزب الوسط الاسلامي في توقيت يتسم بالحساسية، فالسفير الاردني المعين لدى طهران بالكاد بدأ اعماله في ايران، ولن يصدق الايرانيون ان بيان الحزب معزول عن سياقات رسمية، او على الاقل تعبير عن عداوة مصطنعة.
سيدنا جعفر رضي الله عنه، في مؤتة الكرك، يزوره سنويا عشرات الالاف، واذا كان حزب الوسط لايعرف، فكثرة من الزائرين من الشيعة اساسا يأتون من الكويت والبحرين والعراق وباكستان والهند ولبنان ودول اخرى.
ثم ان الدولة ترسل سفيرا الى طهران، والحزب في عمان يرفض اي علاقة ذات بعد اقتصادي في ذات التوقيت، فلماذا اذن يتم ارسال السفير، لولا ان تحسين العلاقة سيكون مدرجا على اجندته ولو بشكل جزئي؟!.
طلب الايرانيين بقبول وفود للزيارة، ليس جديدا، فهو طلب يتجدد منذ مطلع الثمانينات، وعمان الرسمية ترفض، وهذا قرارها، ولاأعرف بماذا سيضر اذا كان ذلك محكوما برقابة اردنية وسيطرة ومتابعة، وضمن برامج واضحة لالبس فيها، ولاخروج عنها، والدولة قادرة على ضبط كل هذا، ولايعجزها هذا الامر ابداً، خصوصا ان السياق ديني ولن يسمح احد بمد دلالالته الى قضايا اخرى؟!.
اذا كان سيدنا جعفر الطيار، رضي الله عنه وارضاه، رمزا عند كل المسلمين، باستشهاده غير المسبوق، واذ كان اول الدم واول الفداء بهذه البطولة، فلماذا يراد له ان يتحول الى عنصر فرقة بين المسلمين اليوم؟!.
لانتسم بالسذاجة، ولا بحسن النوايا ايضا، ولانروج لاحد، غير ان رفض كل شيء، مقابل لاشيء ايضا، من اي طرف آخر، امر مثير، فنحن نرفض الاقتراب من احد، ولو بحدود مدروسة، ولانحاول – ولو من باب المصالح- الاستفادة من علاقاتنا الخارجية.
بقية مقال ماهر ابو طير
المنشور على الصفحة اخيرة الجزء الاول
الاردن لايتهاون في ملف العلاقة مع الايرانيين، وقد طرد سابقا دبلوماسيين حاولوا خرق امنه، كما ان الاردن ليس بهذه الهشاشة حتى يتم منع احد من زيارته، ضمن مجموعات تتم متابعتها من اول الرحلة الى آخرها، والمفارقة هنا ان الاسرائيليين يأتون الى الاردن ويزورون مقامات مختلفة، ولااحد يعترض، وإنْ اعترضنا يَكنْ صوتنا خافتا.
ثم يأتيك بعضنا ليقول، ان هؤلاء اسوأ من اليهود، وهذه نظرية جديدة، ليست مقبولة ابدا، في سياق الجوار الاقليمي، والدين والحضارة، فالقصة سياحة وزيارة ومغادرة.
هبة حزب الوسط غير مناسبة ايضا، لان لا..جديد في كلام السفير الايراني، فمن الطبيعي ان يحاول كل سفير استقطاب تيارات لصالحه في موقع عمله، ومن المفهوم ان يقدم اغراءات اقتصادية باشكال مختلفة، والدول تقيم كل حالة بحالتها، فقد ترفض واحدة وقد تقبل اخرى بشروط.
من اين يتأتى هذا الشعور بعداوة الجميع لنا، من ايران الى تركيا، مرورا بالخوف من الشمال والشرق والغرب، جراء الفوضى، وبهذه الطريقة نتحوصل وكأنه يراد لنا ان لانجد الا حضن الاسرائيليين، ملاذاً، كونه الاقل خطرا علينا؟!.
سأقبل قرار الدولة برفض عرض السفير.لامشكلة ابداً. لكننا لانفهم فقط هذه الهبات المفاجئة والانتقائية التي لاتقول شيئا، ولاتقرأ الاردن من زاوية مستقبله، ومصالحه، ولا تبحر ايضا في تقلب المعادلات الدولية المحتملة، ولا تمتلك -حتى- خريطة لاولويات العداوة.
هي فوبيا دبلوماسية، تقول، اننا نظن اننا فوق الخليقة، والكل يريد الكيد لنا، فنصحو بعد قليل وإذ بنا فرادى دون صديق او شريك او حليف او حتى جار بشروط، ومشكلتنا بصراحة، اننا لانخدم المذهب السني ولا المذهب الشيعي، وليتنا نعادي الشيعة، ونخدم السنة، لكننا في الاغلب، لا الى اولئك، ولا الى هؤلاء.
حتى «جعفر» يتم توظيفه في صراعاتنا المذهبية، وهو فوق كل هذا في الاساس.