دعوني أحلم .. الأردن بعد عام؟!

     أعلم من الناحية الفقهية أن الله تعالى لا يؤاخذ النائم، مع أن المخبرين في فقه الشاعر أحمد مطر يلاحقونه في أحلامه ومنامه، ولكني سأتمالك شجاعتي وقوتي وجراءتي لأحلم كيف يكون الأردن بعد عام؟
     نمت كما نام أهل الكهف ولكن عاما واحدا بدلا من ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا، وكما استيقظوا فرأوا فيلادلفيا "عمّان قديما" قد تغيرت وتبدلت من كفر إلى إيمان ومن وثنية إلى توحيد ومن ظلم إلى عدل ومن خوف إلى أمان، فإني أحلم أني أرى الأدن بعد عام وقد صار أكثر جمالا وعدالة ورحمة ومساواة وحرية وعزة وكرامة.
     خلال هذا العام نظر الأردن حوله فرأى الثورة العربية الكبرى قد عادت من جديد، بعد أن تفجرت في تونس ثم مصر ثم ليبيا ثم اليمن ثم البحرين ثم الجزائر ثم عمان ثم العراق ثم سوريا ثم السودان ثم المغرب ثم موريتانيا ثم دول الخليج كلها، ورأى الجامعة العربية تعقد اجتماعها في ميدان التحرير في قمة فريدة سميت "قمة التعارف".
     حسم الأردن أمره نحو الإصلاح الحقيقي والسريع "إلى الأمام .. لا تراجع" وطارد الفساد "دار دار.. زنقة زنقة.. فرد فرد" فأحال العشرات من الوزراء السابقين والمدراء العامين والمسؤولين والنواب ورجال الأعمال وكبار التجار والموظفين إلى القضاء العادل النزيه والمستقل استقلالا كاملا عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، ورأينا العديد من المتورطين بالفساد والسرقات والعمولات والرشاوى ونهب أموال الشعب وبيع أصوله وثرواته الإستراتيجية يرفلون بالأفرهولات الزرقاء خلف القضبان في سجون شعبية مع نظرائهم من عامة أفراد الشعب لا سجون الخمس نجوم.
     وعزم الأردن على التوجه نحو الحريات الحقيقية فتغير قانون الاجتماعات العامة وصرت ترى مسيرة في كل شارع واعتصاما أمام كل دائرة وندوة في كل "زنقة"، وتحول الدوار الرابع إلى "هايد بارك" أردني مفتوح ذي عرض متواصل أربعا وعشرين ساعة، مع تقديم المياه و المشروبات الغازية مجانا من قبل رجال الأمن الساهرين على راحة وحرية المعتصمين والمتظاهرين، وقيام التلفزيون الأردني بتوفير السماعات والصوتيات وبث جميع الفعاليات على الهواء مباشرة من خلال قناة خصصت لهذا الغرض.
     أما الحريات الصحفية فحدث ولا حرج إذ حقق الأردن خلال هذا العام المرتبة الأولى عالميا متقدما على الدول الأوروبية العريقة، وأصبحت الصحف الأردنية اليومية جميعا منبرا للتيارات الفكرية بكل أطيافها الإسلامية واليسارية والقومية والوطنية، وألغيت عقوبات الحبس والغرامات على الكتاب والمحررين، وتم تسريح المئات ممن شغلوا وظيفة "الرقيب" وأعلن عنهم عاطلين عن العمل، وتم كسر جميع مقصاتهم في كرنفال بهيج أقيم في ميدان عميد الصحافة الأردنية محمود الكايد.
     وعلى صعيد حرية التنظيم الحزبي فقد منحت الأحزاب معونات مالية حكومية تساوي عشرة أضعاف المخصص لها سابقا، ومنحت ألوف المقاعد المجانية والبعثات في الجامعات لأعضائها وأبنائهم، كما وتم اشتراط أن تكون جميع المناصب العليا في الحكومة والشركات الكبرى مخصصة للحزبيين، كون الحزبي هو الأكثر انتماء وولاء للوطن والأكثر تضحية له.
     ومن أهم ما قام الأردنيون بإنجازه خلال هذا العام قانون انتخاب عصري يعتمد القائمة والتمثيل النسبي ويبرز القوى السياسية حسب حجمها الحقيقي، ويتم إجراء انتخابات نزيهة وشفافة تحت إشراف القضاء فقط وليس السلطة التنفيذية ودون تدخل أمني أو حكومي وبمراقبة ممثلي مؤسسات المجتمع المدني والمراقبين الدوليين.
     ويفوز أحد الأحزاب الكبرى بأغلبية في البرلمان، ويكلف تلقائيا بتشكيل الحكومة الائتلافية التي تمثل الشعب تمثيلا حقيقيا، ويكون أول قرار تتخذه هذه الحكومة الوطنية إلغاء معاهدة وادي عربة ردا على التهديدات الصهيونية الوقحة للأردن، والقرار الثاني إعادة ما تم التفريط به من ثروات هذا الوطن من معادن وطاقة وخدمات واتصالات ومياه وأراض وممتلكات، والقرار الثالث إعادة المواطنين الأردنيين المبعدين من قادة "حماس" ليحاكموا أمام القضاء إن كانوا مجرمين، أو ينعموا بحق العيش في وطنهم الأردن ما داموا يحملون الجنسية والمواطنة، فليس قادة بعض الفصائل الفلسطينية الأخرى المتماهية مع الأطروحة الصهيونية في الوطن البديل بأولى منهم، وليس المستثمرون العرب الآخرون من كل الجنسيات الذين أودعوا بعض الدولارات في البنوك بأولى منهم، ولا يوجد وطن في الدنيا يبعد أبناءه قسرا.
     عندما أصحو ساعتها سأكون سعيدا بتجديد جواز سفري وزيارة أي قطر في وطني العربي الكبير دون الحاجة إلى تأشيرة أو حسن سلوك، متطلعا إلى يوم قريب تزول فيه القيود والحدود، وتطلع فيه شمس الحرية.
     المهندس هشام عبد الفتاح الخريسات
hishamkhraisat@gmail.com