أمريكا وتركيا...تحالف إستراتيجي وأزمات تكتيكية

ي وقت قریب كانت تركیا تتدخل بعمق في مفردات الصراع في سوریة والى حد كبیر فیما یدور داخل العراق، لكنھا الیوم وبعد سیطرة داعش على بعض المناطق السوریة، ثبت أن تركیا لاعب أساسي من وراء الأستار والحدود تتلاعب بالأحداث وتغیر من وھجھا ھنا وھناك، وھي لكي تبعد الأنظار عنھا، تعمل بكل ما أوتیت من خبرة ودھاء على خلط الأوراق بین الساحات لكي یخلوا لھا الجو في الھیمنة على سوریة والتحكم بمقدراتھا، إذ تتبع تركیا سیاسات متناقضة تجاه منطقة الشرق الأوسط، من خلال مواقفھا وتصریحاتھا المتناقضة ومبادئھا وسیاستھا المتغیرة، فضلاً عن إن المواقف الأمریكیة من الإرھاب و"داعش" والجھات الداعمة لھم، یؤكد أن سیاسة أمریكا مبنیة على المصالح الضیقة، والتصریحات الصادرة عن "جو بایدن" نائب الرئیس الأمریكي تثبت تخبط السیاسة الأمریكیة تجاه المنطقة، خاصة عندما یعتذر لتركیا ویلقي اللوم على دول أخرى فیما یتعلق بتمویل ودعم الإرھاب.
ممارسات "داعش" الدمویة في كوباني تصب في صالح تركیا وأمریكا وباقي أعضاء التحالف الدولي لمحاربة داعش،
والمأساة التي تعیشھا كوباني من وجھة نظر تركیا، ھي فرصة تاریخیة لا یجب تفویتھا أو إضاعتھا، لتحقیق أحلامھا في
التخلص من النموذج الكوردي الُمقلق الذي ظھر في خاصرتھا الجنوبیة، فأنقرة ترى في الخطر الكوردي خطراً وجودیاً،
أما خطر "داعش" فھو بالنسبة لھا خطر امني، ولھذا السبب یمكن فھم رفض تركیا لكل المطالب الدولیة الداعیة لھا للتدخل
لوقف المجزرة ضد الكورد في كوباني، بل إن تركیا ذھبت الى ابعد من ذلك برفضھا دخول متطوعین كورد الى المدینة،
أما الضربات التي تنفذھا طائرات التحالف الدولي ضد "داعش" یبدو إنھا تأتي في سیاق رفع العتب، أو لإقناع الرأي العام
العالمي إن أمریكا تحاول أن تفعل شیئاً، لإنھ لیس من المعقول أن تقتلع أمریكا وتركیا مسمار الإرھاب من سوریة، فھذا
المسمار سیكون المبرر المقنع لتحقیق أھدافھما كتقسیم سوریة في المستقبل، كما إن القضاء على العمود الفقري للتنظیمات
المسلحة في سوریة یعني بالمقابل تعزیز موقف الجیش السوري، وھو ما لا تریده أمریكا وتركیا، وبالتالي فإن أمریكا
تستغل ھذا الكیان "داعش",لتحقیق مأربھا ومخططاتھا الشیطانیة في إیجاد واقع جدید في سوریة من أجل إلتھامھا.
حملت العلاقات التركیة الأمریكیة في طیاتھا الكثیر من الخفایا والمصالح، بالتزامن مع ضجیج الحدیث عن تنظیم الدولة
الإسلامیة، وتغلغلھ في ربوع سوریة والعراق، ومن المتعارف علیھ أن تركیا والولایات المتحدة توصلتا إلى اتفاق یتضمن
ثلاث قضایا، وعلى رأسھا تقاسم المعلومات الإستخباراتیة بین البلدین ومواصلة تقدیم الدعم اللوجستي للمعارضة السوریة،
وإستمرار تقدیم الدعم الإنساني وإذا تطلب الأمر استخدام القواعد الجویة التركیة، وإن كانت الأخیرة لم تبد رأیھا، لكن على
الرغم من ذلك، تمارس الولایات المتحدة ضغوطات على الحكومة التركیة من أجل إقناعھا بالانضمام للتحالف الدولي ضد
ھذا التنظیم، غیر أن أنقرة تتحفظ في نھج ھذا التوجھ بسبب التھدیدات التي تتلقاھا من أفراد التنظیم، والذین وجھوا رسائل
عدة، أبرزھا استھداف السیاح ورجال الأعمال الغربیین المتواجدین على أراضیھا.
في سیاق متصل تطالب أنقرة والدول المتحالفة مع واشنطن بإنشاء حزام عازل على طول الحدود السوریة مع تركیا،
وتحدید منطقة حظر جوي وتدریب المعارضة السوریة، وھنا أرى أن موافقة أمیركا على ھذا تعني موافقة الإدارة على
واحد من أمرین حاولت تجنبھما، الأول التعاون مع رئیس النظام السوري بشار الأسد، والثاني تدمیر الدفاعات الجویة
السوریة، وھو ما یعني إعلان حرب شاملة، كون أن الحزام الأمني یخدم تركیا ومصالحھا القومیة من ناحیة منع تدفق
اللاجئین السوریین إلى أراضیھا، وقد یمنح ھذا الحزام المعارضة السوریة منطقة للانطلاق وشن ھجمات عسكریة ضد
النظام السوري، وھو ھدف تدعمھ الحكومة التركیة وتطالب بھ، فواشنطن ترى أن إنشاء حزام كھذا مكلف، ویحتاج لمئات
المقاتلات الأمیركیة كي تقوم بمراقبتھ، ویحتاج ملیار دولار في الشھر، وتجد أن بناء منطقة آمنة في سوریة قد یفتح الباب
على مصراعیھ أمام قوة جویة كبیرة في الشرق الأوسط، الذي عززتھ الخبرات الروسیة في السنوات الأخیرة،كما أن
سوریة تملك نظاما متعددا من صواریخ أرض – جو، وآلافاً من الصواریخ المضادة للطائرات، فضلاً عن الموقف الروسي
الإیراني اللذان یرسمان حدود الصراع في سوریة من خلال وقوفھما الى جانب النظام السوري، وحمایة سوریة من التجزئة
والتفتت.
من ھنا فإن مشروع المنطقة العازلة التركیة ، یتخطى معادلة الخطوط الحمراء ، وینسف خیوط التفاھم الغربي التركي،
وھنا لا بد من القول بأن أمریكا زاوجت مؤخراً بین مشروعھا المشترك مع الكیان الصھیوني، والمشروع التركي في
سوریة والمنطقة ، حیث أعلنت وزارة الخارجیة الأمریكیة، عن إنتھاء الخلاف مع تركیا بشأن المنطقة العازلة والحظر
الجوي على جزء من الأرض السوریة، وذلك عبر قبول تركیا بالتخلي – ولو ضمنیاً – عن ھذه الفكرة المفّجرة للخطوط
الحمراء ، وذلك لصالح فكرة تدریب المعارضین المعتدلین على الأراضي التركیة ، وذلك في مساواة أمریكیة لتركیا
بالسعودیة ، والتي ھي في الضفة الثانیة من التحالف حولھا .
وبالمقابل أكد خبراء فى شأن الإسلام السیاسي بأن تركیا بصدد اتخاذ خطوات جدیدة لإرضاء الولایات المتحدة الأمریكیة
فى إطار معركتھا ضد تنظیم داعش، بشن حملة إعتقالات ضد العناصر المرتبطة بالتیار الجھادي الموجودة على أراضیھا
وبینھم قیادات داخل التحالف الذي تتزعمھ جماعة الإخوان .
وإنطلاقاً من ذلك فإن علاقة أمریكا بتركیا والسعودیة وقطر، إنما ینطلق من أساس واحد وفروع متعددة تتعلق بكل دولة
على حدة، والأساس ھو إن ھذه الدول لھا علاقات إستراتیجیة مع أمریكا ،وھذه العلاقات قائمة على خدمة المشروع
الأمریكي، وتنفیذ مطالبھ سواء من الجوانب الإقتصادیة التي لھا علاقة بالنفط، أو في الجوانب العسكریة والتي تتمثل بتنفیذ
الأجندات الأمریكیة وتورید الأسلحة والمعدات الأمریكیة، وغیر بعید عن الجوانب العسكریة ھو تواجد القواعد الأمریكیة
في ھذه الدول، وبالتالي فإن بقاء شھر العسل بین أمریكا والدول الثلاث المعنیة ، لن ینتھي قریباً طالما بقیت ھذه الدول على
علاقة جیدة مع إسرائیل ولا أظن إن ھذا التحالف سیتلاشى طالما بقیت ھذه المنطقة المصدر الأساس للطاقة والإقتصاد
والنفط.
وخلاصة مما سبق ھناك جھات مختلفة تشارك في إرتكاب جرائم في سوریة، ومنھا داعش وأمریكا، أما باقي حلفاء أمریكا
فھم یتحركون على الإیقاع الأمریكي، فداعش آلة الموت التي صّنعتھا المختبرات الأمریكیة، دورھا الوظیفي زرع الموت
والدمار والفوضى، بھدف إخراج الإسلام من حیاة الشعوب كدین الھي، وإغراق المجتمعات الإسلامیة في دوامة من العنف
العبثي لإلھائھا عن كل المخاطر الحقیقیة التي تھددھا مثل الخطر الصھیوني، والأطماع الغربیة في المنطقة، ومخاطر إھدار
الفرص للتطور ومواكبة الركب الحضاري الإنساني.
وأخیرا أختم مقالي بالقول صحیح إن أمریكا وتركیا وبعض حلفاء أمریكا في المنطقة یضعون الإستراتیجیات والمخططات،
للوصول الى أھدافھم، ولكن ما أكثر المخططات الأمریكیة والصھیونیة التي اصطدمت بإرادة الشعوب وتكسرت على
صخرة مقاومتھا، ولا أظن نتیجة الإستراتیجیة الأمریكیة الحالیة ستكون أفضل حالا من نتائج الاستراتیجیات السابقة، وما
المقاومة التي أصابت "داعش" بالرعب، فمقاومة الفتیات والشباب الكورد في مدینة كوباني، لیست إلا جانبا من إرادة ھذه
شعوب