لماذا لا يهزمون داعش ؟!
مئات الغارات الجوية التي يتم شنها على»داعش» لم تؤد الى نتيجة، بل زادت قوة التنظيم وتمدده على الأرض، وكأن التنظيم قوة عظمى لا يقهرها أحدٌ في هذا العالم!!
الأسباب وراء ذلك متعددة، فالآلاف من المقاتلين يعيشون وسط الأحياء السكنية ويتنقلون بسهولة، ولايمكن للغارات الجوية أن تصطادهم واحداً واحداً، وعلى هذا تكون الغارات الجوية موجهة فقط للتجمعات المعروفة، او مخازن السلاح التي يشي المخبرون حول مواقعها من اجل قصفها، وهذه تجمعات باتت تتغير كل ليلة.
فوق هذا فإن هناك عملية استقطاب هائلة تجري على الارض، فالتنظيم لديه المال، ويوظف التناقضات المذهبية والعرقية، لاستقطاب آلاف الأنصار الجدد، وهذا يفسر زيادة عدد الأعضاء، لا.. تراجع عددهم، يوما بعد آخر.
في التوظيفات الدولية أيضا -وهذه هي النقطة الأخطر- تعمد واضح لترك التنظيم ليكبر ويتمدد، لأن الغاية النهائية استعماله كورقة من أجل التدخل البري في سورية والعراق، وإعادة ترسيم المنطقة، والعالم في عزِّ قصفه لداعش، يوظف»داعش»، عبر تحويله ايضا الى فزاعة في محاولة لاستدراج تركيا ايضا الى «مستنقع الطين» المرسوم لها، وهي محاولة لم تنجح حتى الآن، لكنها مؤهلة للنجاح.
ليس أدل على سيناريو التدخل البري من مشروع واشنطن المقبل، تشكيل جيش عالمي للتدخل العسكري في سورية والعراق، والمشروع سيضم اكثر من عشرين دولة، سترسل عناصرها برا الى هذه المناطق، تحت عنوان مكافحة الارهاب، والقضاء على»داعش»، وبطبيعة الحال فإن لواشنطن غايات متعددة من هذا الحشد، تتجاوز العنوان المعلن، أي»داعش»، وتنزع الى اعادة رسم المنطقة، كلها، عبر إعادة الفك، والتركيب مجددا.
الواضح تماما ان كل المنطقة تتعرض لمتغيرات كل ساعة، والملفات تشابكت بطريقة يعجز كثيرون عن فكها، فحتى»داعش» التي تتم محاربتها، يتم توظيفها، في ذات التوقيت، ولو عبر تركها لتتعاظم في سياق سيناريوهات مقبلة على الطريق، وذات التنظيم سيحارب بكل قوة، من اجل استدراج القوات البرية الى مواقعه، من اجل محاربتها، ومحاربة دولها.
كل هذه التغيرات، لاتخضع لقاعدة واحدة، واشنطن التي تريد تشكيل جيش بري، لاتستطيع التدخل في سورية والعراق، مثلا، مالم تقبل طهران، وموسكو، وفي ذات الوقت تخضع واشنطن لقواعد اخرى في ملف ايران النووي، وهي بين خيارين متناقضين هنا في هذا التوقيت.
الأمر ذاته ينطبق على تركيا مثلا، التي تريد شن حرب على»داعش»، ولكنها ايضا، لا تريد ان تشن حربا نيابة عن الأسد وكأنها تخدمه، وتريد إسقاطه ايضا، وهي تتمنع عن التدخل البري خشية ان يكون هذا فخ دولي تسلل عبر»داعش»، يريد تحطيم تركيا، وجرها الى حرب اقليمية تستنزف مواردها، وتزلزل بناها الداخلية كدولة اقليمية تحت وطأة مشاكل العلويين والاكراد لديها.
ذات الدول العربية ايضا موَّلت بدايات»داعش»، ودعمته ماليا وعسكريا لمحاربة الأسد، لكنها اليوم، تنقلب في موقفها، بعد أن خرج الجني من الجرة -كما يقولون-، فالممول بات خصما لمن تم تمويله، والتداخلات ليس لها نهاية.
وسط كل هذه التعقيدات والكلام عن تسوية دولية اقليمية لشكل الشرق الاوسط، تنزل واشنطن على المائدة بالجوكر كما يقول لاعبو الورق، وهذا الجوكر، تشكيل جيش عالمي بري للتدخل في المنطقة وهذا عنوان آخر يقول ان كل المنطقة قد تكون مقبلة على حرب اقليمية دولية تحرق الاخضر واليابس في سياق الصراعات، وما داعش هنا الا الشرارة التي اوقدت النار في كومة القش الجافة في هذا الاقليم.
«داعش» بذرة كبرت، والمستفيدون من شجرتها كثيرون، والسقاة كثيرون، والراغبون باجتياح البستان بذريعة خلعها كثرة أيضا.