ســـوق العـبـدلــي واسـتـرداد الهـيـبـة

سرعان ما يتحول الشعار المطلبي الى شعار سياسي في اي مواجهة بين القرارات الرسمية الادارية واصحاب المنفعة او اصحاب الحق المكتسب حسب تعريف المنتفعين ومن يقف خلفهم من ساسة يرون في تعزيز المواجهات ورفدها بالدعم اللوجستي فرصة للثأر من المؤسسات الرسمية , وربما تتسع دائرة الثأر الى دوائر اوسع فيصبح الهدف اسقاط الحكومة وكسر هيبة القرار الاداري الذي بات التراجع عنه سمة مكررة .

ما جرى من مواجهات في سوق العبدلي يثبت ان المطلبي او الخدماتي بات يتحول الى سياسي بنقلة واحدة حسب مفاهيم رقعة الشطرنج السياسي السائدة , فهتاف اصحاب البسطات المؤيد لقوات الدرك سرعان ما تحول الى مواجهات قاسية لحظة تنفيذ القرار الاداري , وكأن أصحاب المنفعة يقبلون بما يخدم مصالحهم فقط من كل اجهزة الدولة التي تشهد خذلانا من كل القوى السياسية ومن الاجهزة الرسمية على المستوى السياسي .
القرار الاداري بات يراوح بين حالة الرخاوة والسيولة امام اي مواجهة مع اصحاب المنفعة الذي يتلقون دعما لوجستيا سرّيا من قوى سياسية تستثمر في كل قرار يحظى بالمواجهة والصدام , فحالة السيولة والرخاوة باتت حالة عامة تُصيب المعارضة والحكومة على حد سواء , مما فرض سلوكا شكّل الصدام ركيزته الاساسية وبات العنف منتشرا على كافة الاصعدة وسمة لردود الفعل الشعبية التي استراحت لسلوك الغضب وتحصيل الحقوق باليد في ظل تراخي الدولة وسيولة موقفها .
البسطات نتيجة وليست سببا , فالاقتصاد السرّي انتشر بشكل مريع في كل محافظات المملكة والبسطات ابرز عناوين هذا الانتشار , بحيث تشكل عالم سرّي خلف البسطات اقرب الى مفهوم الجريمة المنظمة , فمن يستفيد من البسطة ليس صاحب الاسرة المحتاجة بل شخصيات من العيار الثقيل تستثمر في الفقر والبطالة على طريقتها الخاصة فتزداد اموالها يوما بعد يوم ويزداد فقر البسطاء تبعا لزيادة ثروات اصحاب الكروش المنتفخة , ثم يصبح البسطاء وقود الصدام .
في سوق العبدلي هناك بسطات تزيد عن الالف , وملكيتها بالعادة لاسماء لا تعمل داخل السوق بل يجري تضمين البسطة وحمايتها ايضا , فيصبح المكسب مضاعفا لاصحاب البسطات الاصليون خاصة وان الواحد منهم يملك خمس بسطات على الاقل مما يشكل له دخلا ضخما , وحتى نقطع الطريق على من يقول ان سوق العبدلي للفقراء استثمارا وانتاجا , نؤكد ان مرتاديه ليسوا من الفقراء بأي حال ومن زار السوق ايام الجمعة وباقي الايام مساء يعرف ذلك جيدا .
انتشار البسطات في المحافظات ترافق مع ارتفاع نسبة الجريمة وارتفاع ظاهرة تعاطي المخدرات والاتجار فيها , فالاقتصاد السري عالم من الدهاليز مفتوح على بعضه بعضا , ونقل السوق قرار ايجابي لحماية قاع المدينة وتوفير بيئة امنة لمرتاديها الذين يتزايدون يوما بعد يوم , وهو فرصة اكبر لاعادة تصويب الملكيات بحيث يعاد توزيع البسطات على المحتاجين فعلا وبواقع بسطة واحدة للاسرة الواحدة .
قرار نقل سوق العبدلي يجب ان يحظى بدعم من كل الجهات لانه فرصة لازالة التشوهات عن المدينة , وفرصة لوقف الابتزاز المطلبي لاصحاب الكروش المنتفخة الذين يديرون صراعهم مع الحكومات بوجه مطلبي وبأيدي البسطاء والزعران على حد سواء وعلى الاحزاب ان تقف خلف تعميق هيبة الدولة من خلال دعم القرار وتجويد القرار على حد سواء , فالموقف يجب ان يكون ثابتا ودون زيف وتصفيات سياسية , فأمانة عمان عليها واجب تصويب القرار وتجويده ومن ثم دعمه .
الحرب على الاقتصاد السري يجب ان تحظى بدعم من كل القوى السياسية والاجتماعية وعدم ترك امانة عمان تخوض الحرب المنفردة وعدم التفريط بهيبة رجل الامن والسماح بالاعتداء عليه لاي سبب كان , فهيبة الدولة تبدأ من عند شرطي المرور وانتهاء بباقي الاجهزة السيادية واذا فرطنا بالقليل سنضّع الكثير .