أردوغان عندما «يحتضن» نظرية المؤامرة !
لرئيس الجمهورية التركية رجب طيب اردوغان قاموسه ولغته الخاصة التي تكاد تتطابق وما يمكن وصفه بالردح المحمول على غضب وعصابية حدود النزق، ويمكن للمرء ان يقرأ او «يشاهد» سلسلة التصريحات النارية التي ميزت الاشهر الثمانية الاخيرة، وهي التي قضاها بين منصبين رفيعين «جداً» الاول عندما كان رئيساً للوزراء وتم الكشف عن فضيحة فساد مجلجلة تورط فيها مقربون منه وصلت داخل بيته عبر ابنه الاكبر بلال، تبعتها بالطبع الحملة الشعواء التي شنها على حركة الخدمة «حِزْمِتْ» التي يتزعمها فتح الله غولن، متهماً اياها بلعب دور حصان طروادة من اجل «خيانة» الجمهورية التركية، بتحريض اميركي واسرائيلي، حد وصفها بـ»الكيان الموازي» الذي تعهد بضربه واجتثاثه وملاحقة اعضائه ونشطائه والوصول الى «الجحور» التي يختفون فيها، اما الثانية، حديثة وطازجة، وما تزال رائحة الدماء تفوح منها ونقصد بذلك المظاهرات العارمة المندلعة الان في معظم انحاء تركيا وبخاصة محافظاتها الجنوبية وايضا اسطنبول وانقرة على نحو اضطرت فيه السلطات الى اعلان حظر التجوال، ما انذر بحدوث مواجهات وصدامات قد تنتهي بتدخل الجيش (رغم ان ذلك لم يعد بالسهولة التي كان عليها قبل ان يُقلّم اردوغان اظافر المؤسسة العسكرية ويضعها تحت إبطه، بتعيين المقربين منه على رأسها، وإرسال اخرين الى السجون ثم العفو عنهم في محاولة لاستمالتهم او نزع ما تبقى من انيابهم)، ما فسّر بالطبع، السرعة التي تم فيها رفع حظر التجوال والايحاء بان الأمور تسير نحو التهدئة، وإن ترافق ذلك بهجوم لاذع ومرير واصل اردوغان القيام به شاملاً في نعوته القاسية وتوصيفاته التي تعكس ضيقاً وغطرسة لديه، مروحة واسعة من خصومه تبدأ بالنظام السوري ولا تنتهي بالكيان الموازي (جماعة غولن) دون ان تنسى وصف حزب العمال الكردستاني PKK الذي يتزعمه عبدالله اوجلان السجين في جزيرة إمرالي منذ خمسة عشر عاماً، بالمنظمة الارهابية والانفصالية.
«.. لا تقف منظمة PKK الارهابية الانفصالية، والحزب السياسي الذي يعمل في ظلها (في اشارة الى حزب الشعوب الديمقراطي بزعامة صلاح الدين دميرطاش)، وحدهما خلف الاحداث (مظاهرات الكرد) بل تقف خلفها الاوساط المتورطة في كل اشكال الفوضى بتركيا، اضافة الى نظام الأسد الظالم الملطخة يداه بالدماء في سوريا، كما تقف وراء هذه الاحداث وسائل الاعلام (الدولية) التي باتت معروفة والكيان الموازي الذي يسعى لاستغلال اي فرصة لخيانة تركيا» قال اردوغان.
لم يبقَ احد، الكل متآمر في نظر رجل تركيا القوي، الذي يوزع شهادات حسن السلوك والشرعية على دول المنطقة وقادتها ويرفع يده اليمنى باشارة «رابعة» الاخوانية، بعد اعلان فوزه في انتخابات الرئاسة قبل شهرين من الآن (10 آب) ولا يتورع في الآن ذاته عن وصف رئيس دولة عربية (واقليمية) كبرى «مُنْتَخَبْ» هي مصر، التي تفوق تركيا شهرة وحضارة وشرعية وإسلاماً (ان جاز القول) بالطاغية، في اصرار على التدخل في شؤون دولة اخرى، وانطلاقاً من نظرة عنصرية واستعلائية تبحث عن مجد استعماري غابر وبائد هو، الإرث العثماني الذي لم «يحصد» منه العرب طوال خمسة قرون سوى التخلف والجهل والقمع والاذلال والنهب والقهر، تحت مزاعم كاذبة واساطير مفتعلة تتدثر بلباس الخلافة المُتوّهمة.
من تابع ايضاً لغة ونبرة خطابات اردوغان خلال مظاهرات ميدان تقسيم الشهيرة والاوصاف التي اطلقها تجاه الجمهور التركي المُسالم والمثقف الذي خرج لرفض قرار اقتلاع اشجار حديقة جيزي واقامة مسجد ومركز تجاري (عثماني الهندسة) يلحظ في غير عناء درجة الضيق التي استبدت بالرجل الذي يدّعي الديمقراطية ويقول انها الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الرأي، وأن لا سبيل الى قمع حرية التعبير ما دامت سلمية، على عكس ما يحدث في مصر (...) في غمزة واضحة وموقف سياسي منحاز لنظام محمد مرسي الاخواني الذي اسقطه الجمهور المصري في الثالث من تموز العام الماضي بعد موجة (30) حزيران الثورية من العام ذاته..
اللافت في حال الغضب والعصابية التي لا تفارق اردوغان وخصوصاً منذ بدأت «ضغوط» التحالف الدولي لمحاربة داعش الذي تقوده واشنطن، حيث ما تزال انقرة تجد في موقعها الجغرافي فرصة لابتزاز الآخرين وفرض قواعد لعبة جديدة تضرب فيه اكثر من «عصفور» بحجر واحد، سواء في استصدار موافقة «غربية» على اسقاط نظام الاسد في الوقت الذي تضرب فيه داعش فضلاً عن «تفكيك» نظام الادارة الذاتية الذي اعلنه كرد سوريا بزعامة صالح مسلم، وذلك عبر اقامة منطقة عازلة، تسمح لتركيا بأن تكون اللاعب «الوحيد» على الاراضي السورية، كذلك في امتلاك حق «الفيتو» على أي قوى او مكونات سياسية سوّرية في أي حل سواء جاء سياسياً ام عبر تسوية اقليمية أم من خلال جنيف 3..
احسب ان اردوغان بدأ مسيرة «الهبوط» السياسي والاخلاقي، بالتزامه هذه اللغة الفوقية التي تعكس استعلاء وعنصرية وثقة زائدة بالنفس تصل حدود الانانية والنرجسية، التي يصعب على اي سياسي مواصلة صعوده او ضمان مستقبله، اذا ما واصل «الإتّجار» بها وتداولها عبر المنابر وساحات الخطابة.