الاصلاح من خلال التوريث
الإصلاح من خلال التوريث !
أحمد الربابعة
في خضم ثورات الشعوب العربية نحو إسقاط أنظمتها أو إصلاحها، انبرت الثورة الأردنية تحشد جموعها، وتهتف وتصعد من لهجتها نحو المطالبة بالإصلاح والتغيير ومحاسبة الفاسدين . وبدا النظام الأردني كبقية الأنظمة العربية مطالبا بالإصلاح والتغيير والاستجابة لمطالب الشعب للمحافظة على استمراره، بينما بدا الشعب الأردني في وقت استراحته خلال تلك الثورة بانتظار تلك الإصلاحات المتوقعة والواجبة أيضا .
وبدأ الإصلاح، من خلال إقالة حكومة سمير الرفاعي الابن، التي كان يرى فيها الشعب قمة التوريث في الحكم؛ فالجد والابن والحفيد ثلاثتهم رؤساء حكومات، بينما ظل الابن لأب وجد حراثين حراثا ! مثلما ظل الابن لأب وجد مدرسين مدرسا ! كغيرهم من ألاف الأردنيين الذين ظلوا ما بين حداد ونجار وطبيب وزبال وبناءا ومهندس وما شاكلتهم، يرثون ويورثون مهنهم وطبقاتهم دون أن يتم ترقيتهم إلى ما رقي إليه سمير الرفاعي وأبوه وجده .
واحتفل الأردنيون بما ظنوا أنه نصرا لثورتهم من خلال الاستجابة لمطلبهم بإقالة حكومة سمير الرفاعي الابن؛ غير أن فرحتهم أجهضت بعد أيام قليلة، عندما تم انتداب أحد رؤساء الحكومات السابقة (معروف البخيت) لتشكيل الحكومة الجديدة، وإعادة نفس الاسطوانة، أي التوريث ولكن بسيناريو أخر و (كأنك يا أبو زيد ما غزيت) .
إعادة تكليف رئيس حكومة سابق على علاقة سيئة مع قوى المعارضة بتشكيل الحكومة الحالية، وفي مثل هذه الظروف أيضا، كان بمثابة صفعة للشعب ! ولم يقف الأمر عن ذلك الحد؛ بل تعداه هذه الأيام بتلقي الشعب الأردني لصفعة أخرى من خلال تعيين أحد أبناء رؤوسا الحكومات السابقة مستشارا في رئاسة الوزراء براتب ورتبة وزير !
إذا يبدو أن الإصلاح المرجو من الشعب يجابه بالتحدي والقهر والإذلال من خلال الاستمرار في توريث المناصب والوظائف العليا، ومن خلال زيادة حسر الدائرة السياسية على نفس الأشخاص وذويهم دون إشراك بقية أفراد وشرائح الشعب، وما دام أن نفس الأشخاص ما زالوا مصرون على تقاسم الكعكة هم وأبنائهم لوحدهم، وما دام أن صاحب مقولة " ابن الوزير وزير وابن الحراث حراث" يصر هو ومن مثله على الاستمرار في تجسيد هذه المقولة على أرض الواقع، ومجابهة دعوات الإصلاح والعدالة والمساواة وخاصة في ظروف تتعالي فيها الأصوات في كل مكان مطالبة بالعدالة الاجتماعية ومحاسبة الفاسدين وإصلاح النظام .
المصيبة العظمى التي يمر بها الشعب الأردني مع هذه القضية، هي أن الوظائف العليا يتم تعيينها تعيين وحصرها بأشخاص معينين، ولا يتم إدراجها تحت ديوان الخدمة المدنية، أو أن يتم طرح الإعلان لها في الصحف ووسائل الإعلام كبقية الوظائف ليتم التنافس عليها بناءا على الكفاءة والخبرة . والمصيبة الأخرى أيضا أن أبناء الذوات هؤلاء، كثير منهم مطعون فيهم وفي نزاهتهم وكفاءتهم كذلك، ومصيبة أكبر من ذلك بكثير هي المرحلة التي تعيشها المنطقة العربية الآن؛ ففي الوقت الذي تعكف فيه كثير من الأنظمة العربية على إجراء إصلاحات حقيقية وفعالة وتوزيع السلطة والثروة بشكل عادل بين شعوبها لتفادي ما ألت إليه أحوال تونس ومصر وليبيا وغيرهم؛ نفاجئ في الأردن أن يطل علينا خبر "تعيين ابن رئيس حكومة سابق مستشارا براتب ورتبة وزير !"
أما بالعودة إلى أبناء الذوات هؤلاء، والذين يتم توريثهم تلك المناصب، فالمعروف عن بعضهم هو أنهم إما مدمنين على المخدرات، أو متاجرين بها، أو عبدة للشياطين في عبدون، أو مالكين لشركات متورطة بالفساد وإعفاءات ضريبية، أو غيرها مما يعرفه الشعب عن هؤلاء وعن مورثيهم .
إذا طالب الشعب بالإصلاح، وكان الشعب واعيا لما يطالب به، ولا يريد أن ينجر إلى ما جرت إليه دول عربية أخرى، وقدم تقديره واحترامه للنظام ... فهل يقابل مثل هذا الشعب المخلص والطيب بمثل هذه التراكمات ؟