أمنية 2015: موازنة إصلاحية
أثارت الموازنة العامة للعام الحالي، 2014، كثيرا من الملاحظات الناقدة التي كشفت غياب الإصلاح عن هيكلها. إذ بدت كأي موازنة وُضعت قبل سنوات؛ فلم تعطِ إشارات جادة وحقيقية على السعي إلى إصلاح الاختلالات البنيوية في الموازنة العامة؛ كما لم تعكس مالياً أثر القرارات الصعبة التي اتخذتها الحكومة، ومنها تحرير أسعار المحروقات وزيادة تعرفة الكهرباء.
أمنيتنا للعام المقبل تتمثل في أن لا تعيد موازنة 2015 أخطاء السنوات الماضية، لاسيما أن الحكومة تعكف على إعداد هذه الموازنة الآن؛ وأن تسعى إلى هندسة موازنة تعكس إدراك المسؤولين لحجم الأزمة والتحديات التي فاقمها، أساسا، التوسع في الإنفاق. إذ أخذت الموازنات العامة منحى توسعيا منذ عقود، حتى زاد حجم الإنفاق الحكومي اليوم عن 8 مليارات دينار، يضاف إليها مبلغ ملياري دينار يُنفق على المؤسسات المستقلة، ليبلغ مجموع حجم الإنفاق العام حوالي 10 مليارات دينار.
حجم الموازنة، على امتداد سنوات مضت، يكشف صراحة أن حكومات عديدة عملت من دون تخطيط ورؤية يضبطان إيقاع الإنفاق عند حدود آمنة، تضمن الالتزام بمستوى إنفاق يتناسب وموارد البلد المحلية. وإذ لم يحدث ذلك، فقد أدى بدوره أيضاً إلى نمو القطاع العام إلى مستويات قياسية وفق مختلف المعايير الدولية المعتمدة.
الحديث عن ترشيق القطاع العام الذي يستنزف ثلثي الموازنة، ربما أصبح بلا جدوى، ومتأخرا. ومن ثم، فإن الحلول لمشكلة هذا القطاع لا بد أن تكون جراحية وقاسية. لكن الحكومة -أي حكومة- لا تملك الجرأة على تنفيذها، نظرا لكلفها الاجتماعية والسياسية الباهظة؛ فأي حكومة تلك التي تستطيع اتخاذ قرار بتخفيض الرواتب، أو تسريح البطالة المقنعة في الوزارات والمؤسسات؟!
بيد أن حساسية المسألة لا تمنع من وضع خطة للتخفيف من حدة المشكلة، حتى إن اقتضى إنجازها سنوات طويلة. فالحد الأدنى لإدراك المشكلة والجدية في التعامل معها، يبدآن من تخفيض حجم الإنفاق العام أو تثبيته على الأقل، بحيث لا يزيد حجم الموازنة العامة للسنوات الثلاث المقبلة.
مثل هذا القرار سيعكس استشعارا جادا للأزمة، كما سيشي بفهم عميق لحجم المشكلة التي بلغها الوضع المالي للخزينة. إذ تساعد مثل هذه الخطوة في بث رسائل لجميع المسؤولين، من وزراء ومديرين عامين، أن الوضع استثنائي، يحتاج بدوره خطوات استثنائية. وهو ما لم يتم بشأن جزئية الإنفاق خلال الأعوام الماضية؛ إذ اقتصر الجانب الإصلاحي على زيادة الإيرادات.
فالحكومة الحالية، كما سابقاتها، لجأت إلى توصيل رسائل خاصة بخطورة أزمة الموازنة والتشوهات التي تعاني منها، فقط في بند الإيرادات، لزيادة هذه الأخيرة. وسلكت كل السبل الممكنة لتحقيق ذلك، بما فيها تبني قرارات صعبة وغير مقبولة شعبيا، كان آخرها السعي إلى سنّ قانون جديد للضريبة "جبائي"؛ هدفه الرئيس زيادة الإيرادات، وليس تحقيق مبدأ العدالة الضريبية وإعادة توزيع الثروات بما يضمن تحقيق التنمية الشاملة.
في الإصلاح المالي، لم تعد ثمة أبواب تُطرق في جانب زيادة الإيرادات، لاسيما والمجتمع مقتنع بأنه يدفع ضرائب ورسوما أكثر مما تعطيه الدولة من خدمات أساسية ذات مستوى لائق، بل على العكس؛ تزداد الشكوى من تراجع مستوى هذه الخدمات في مختلف المجالات؛ تعليما وصحة وبنية تحتية، وسواها.
في العام 2015، يفترض أن تسعى الحكومة إلى إصلاح جانب الموازنة المتعلق بالإنفاق من خلال ضبطه، وليس السعي إلى زيادة الإيرادات؛ فيكون الجميع بذلك شركاء في الحل، ولا يقتصر (الحل) على جيب المواطن الذي بات يؤمن أن سياسة شد البطون تنطبق عليه فحسب، فيما الحكومات تهدر المال، باعترافها في أكثر من مرة. إذ تقدر نسبة الهدر في الموازنة العامة بحوالي 1.5 مليار دينار من إجمالي الإنفاق العام؛ ومعالجة نصف هذه المشكلة فحسب، يعني أن العجز المقدر في موازنة العام الحالي بحوالي 1.2 مليار دينار، سينخفض إلى النصف أيضاً.