الرواتب وفقدان العدالة
خيبة أمل أصابت كبار ضباط الشرطة الذين قابلوا مدير الأمن العام قبل أشهر لتظلمهم على استحياء من الإجحاف الذي لحق بهم نتيجة الفرق اللامعقول في الراتب التقاعدي بينهم وبين زملائهم الذين أحيلوا على التقاعد بعدهم ببضعة أشهر والذي اقترب من الضعف ،حيث تم تجاهل مطلبهم للوقوف معهم وإيصال صوتهم لأصحاب القرار ولم يتلقوا منذ ذلك الوقت أي إجابة أو اتصال يتعلق بنتيجة المقابلة ما اعتبروه استخفاف مؤسف خالف سنن التعامل مع أبناء الجهاز على قاعدة (عدم الجواب جواب )،وسجلوا عتب كبير على المؤسسة التي افنوا فيها زهرة شبابهم وعملوا بها دون كلل أو ملل على مدى عقود.
المقابلة كانت احتجاجية،ونقية الأهداف وسبقت موجة المسيرات والاعتصامات وكل المطالبات التي أعقبت أحداث الدول الشقيقة ،وتمحورت باختصار حول الأحوال المعيشية المسيلة للدموع التي يعاني منها المتقاعدون في ذروة الضائقة المالية المرافقة للتقاعد والتي تتزامن في العادة مع مرحلة الدراسة الجامعية للأبناء ،وطغيان الغلاء ،وتعرضهم لحالة فقر مذل لا تسر الصديق امتدت آثارها إلى معنويات العاملين وطالهم رعب التقاعد القادم والخوف من تعرضهم لنفس الحالة وهم يقفون على عتبات مرحلة إنهاء الخدمات.
سوء الحظ وأشهر معدودة فقط حالت دون مضاعفة رواتبهم ،وألقت بهم في جحيم الفاقة ،وفقر ممتد ،ويسود الاعتقاد أن الشطط بإحداث فروق واسعة بدخل المتقاعدين مرتبط بشبهة فساد تتمثل على الأقل بإخضاع مؤسسات الدولة ومصير العاملين فيها إلى قرارات فردية جائرة تخلو من المنطق أخرجت الصامتون عن صمتهم ، وأنتجت ردود فعل ساخطة ،وتململ من لا يعرفوا إلا الإخلاص والولاء بعد نفاذ صبرهم ،وعدم تجاوب من يتمركزون بمواقع صنع القرارات المستنبتة للعتب والغضب والشعور بالتفرقة والظلم ،وهي قبل كل هذا دعوة صريحة لإخراج المولاة عن طورهم ونقلهم قصرا إلى صفوف المعارضة ..
مطلب المتقاعدون كان متواضعا وفي منتهى البساطة فلم يتطرقوا مثلا إلى المقارنة برواتب بعض موظفي الحكومة البالغة اثني عشر ألف دينار شهريا ومثل ذلك مكافئات ،ورغم هذا لم يفقدوا الأمل ولم يتسلل إلى نفوسهم اليأس مع انتهاء حالة الحديث الهامس عن الفساد بعد الاعتراف الرسمي بتفشيه في كثير من مؤسسات الدولة على نطاق واسع ،واختفاء المظاهر الشرهة لتوجيه التهم وملاحقة من يقترفون فعل المطالبة بحقوقهم ،مصحوبة بتوجهات ملكية صارمة لمكافحة الفساد ،ومنع تلغيم طرق وصول أصحاب الحقوق لحقوقهم تجلت بإحالة المتورطين إلى القضاء ،وتأكيد جلالته الأخير بان لا حماية لفاسد في هذا الوطن .ما يجدد القناعة بان حركات التغيير والإصلاح الكبرى لا يقودها إلا جلالة الملك وهو دوما وأبدا ملاذنا الأخير .