صابرين فرعون .. قراءة في رواية "بعد بيروت" للروائية رائدة الشلالفة

اخبار البلد

"بعد بيروت" والواقع العربي

في العادة يكون السيناريو المألوف الحب في ظل الحرب ..أما في رواية رائدة فالحرب هي الذاكرة الرئيسية الممتلئة بالحب.. تقف الحرب معترضة طريق السلام الإنساني ..تعارك الأرواح المشروخة في اختزال الصور الحية للاغتراب والمسافة الزمنية للنسيان..حيث تتراوح أزمنة السرد بين أحداث العدوان الإسرائيلي الثاني على لبنان في 1982م وبين ما بعد الحرب بسنوات كثيرة انتهت المجزرة وعلقت كل أحداثها في ذاكرة الناجين يخبروننا بهول الكارثة الإنسانية والخذلان والتواطؤ على الدم الفلسطيني كي تكون الوثائق شاهدة على الحقيقة التي لن يمحوها الزمن وهي عدم احترام حرمة الدم العربي..

تتكاثف الغيوم بين الحب والحرب مسلمة بطوفان من المد والجزر وحالة الغربة التي تجمد من عاش الحرب وما بعدها.. بين الحب والحرب أشلاء طفولةٍ وأمومةٍ مغتصبة وقتل وتشريد وإبادة حتى للحيوانات كالخيول والحمير وأعمال تعذيب وتنكيل تثقل كاهل الذاكرة..بين الحب والحرب صوت الضمير يغفو حيناً ويبكي حيناً ويتألم حيناً ليفرح في نهاية المطاف!

"بعد بيروت" كرواية تحاكي الواقع العربي وغوغائية الألم وتسلط الضوء على الجدار المشروخ وحالة الاغتراب التي تؤدي إلى مفارقات في الأنساق القيمية والصراعات الناتجة والآثار النفسية من عزلة وعصاب الصدمة ومرحلة الكمون والتكرار والتذكر الدائم للمجزرة وإعادة تنظيم الشخصية من تغيير عادات النوم والتفكير والتقوقع على فكرة الدائرة المنغلقة على سبيل المثال وذلك لعدم تكرار الفشل في صنع قرار تُبنى عليه حالة من الاستقرار الدائم فيما بعد.."بعد بيروت" تحاسب الضمير العربي على تبني الفكرة النازية في استنزاف ما تبقى من الكرامة والانسياق نحو جدلية :ما هو الإنسان؟!

لماذا كانت بطلة العنوان مدينة بيروت؟؟

لموقعها بين تل الأشرفية وتل المصيطبة قرب الحدود اللبنانية..والسبب الثاني أنها تتضمن ثلاث مخيمات للفلسطينيين منها مخيم شاتيلا وحي صبرا الذي اقترن اسمه بالمخيم .. إذاً بموقعها الاستراتيجي واحتوائها التوأمة والمؤاخاة في الدم العربي فإن تدميرها كوحدة أساسية تقوم عليها محاور السياسة والتاريخ والإعلام العربي سيكون مطمع دائم كبير للدول الناهبة للقضاء على الفلسطيني أينما وُجد.

هيكلية السرد الروائي

ما بين الأسلوب التقريري في سرد أحداث مجزرة صبرا وشاتيلا والسرد التصويري والبنية المجزأة "حكائياً" طغت الجماليات الفنية مستندة على الوصف الأدبي الذي يخضع لسياق الرواية..كما في المقاطع التي تتحدث عن كمال وفاطمة ونجلاء كشخصيات رئيسية تخاطب الأنا الوجداني والعقلي للقارئ دون أن يتغلغلها مؤثرات تشتت انتباه القارئ أو تخرجه من حقيقة المشهد الموصوف .. هناك حس عالٍ بالمسؤولية اتجاه القضية العامة التي تنقل وقائعها الروائية والبنية السردية للفعل الكلامي الذي تسيطر عليه وتخضعه لمعايير النجاح في الجمل الخبرية الطويلة لحال العاشق..

بين الانفتاح والتأويل

الرواية لدى رائدة الشلالفة هجين من الوعي الحسي والإدراكي من جهة والانشطار الذاتي والتمرد على منظومة السجن العقلي الذي يخضع له الإنسان بالمطلق..فضاء روايتها منفتح بحدود التأويل حيث يفرض المنطق الداخلي للرواية التماسك ثنائي الدلالة يجانس الموروث الثقافي للكاتبة والجانب المنطوق والمسكوت عنه في ثقافة القارئ..

غن / موقع الزيتونة / فلسطين
http://www.zaitona.net/news-11,N-12090.html#.VDT4xs0-iFw.facebook