الاعلان العالمي للحقوق الانسانية المدنبة في خطبة الوداع


موعظة الجمعة : تاريخ التاسع من ذي الحجة 1435ه 
من حسن حظ العرب ان انزل الله عليهم كتابا ختم به الكتب بدين ختم به الاديان 
واختار منهم رسولا ختم به الرسل فهم معنيين بالاالتزام به قبل غيرهم , وعليهم تبليغه للبشرية بالحكمة والموعظة الحسنة ,ومن صميم المحبة للانسانية لينعموا بالسعادة , ولكن ليس لنا ـ معشر العرب والمسلمين ـ العصمة ان قصرنا بمتطلبات هذا التكليف التشريفي ان نقع فيما وقع به الاخرين حين قصروا ونوصف كما وصفوا وبئس ذلك مثلا " مثل الذين حملوا التورات ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفارا ..." 
فقد أعزنا الله بالإسلام وابعد عنا نخوة الجاهلية وتعظمها بالإباء الناس لأدم وآدم من تراب " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " 
وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يبلغ الناس ويعظهم وبالأخص بالحج 
إن الحج من اعظم المواسم التي توثق العلاقة بين الناس بما تحمله من مبادئ الحقوق الإنسانية التي أعلنها سيد الإنسانية الإنسان الأعظم والنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم ويتضح ذلك من خلال خطبته التي خطبها في صعيد عرفات الطاهر وبين فيها مجموع ومضمون ما اشتملت عليه رسالته من الشرائع والهدى, وكان اجل فقراتها قوله صلوات الله وسلامه عليه أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا قَوْلِي، (1)فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا بِهَذَا الْمَوْقِفِ أَبَدًا، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، وَإِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، وَقَدْ بَلَّغْتُ، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا، أَلا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ". 
(2) أيها الناس ان لكم على نسائكم حقا (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ )، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللَّهِ" ".) 
والله ما أروعها من كلمات!؟ تلك التي ألقاها في سفوح عرفات راح يخاطب فيها الأجيال والتاريخ بعد أن أدى الأمانة ونصح الأمة و جاهد في سبيل الدعوة إلى ربه 23 عاما لا يكل ولا يمل والله ما أروعها من ساعة! تلك التي اجتمع حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها الآلاف المؤلفة فاجتمعوا حوله خاشعين متضرعين وطالما تربصوا به قبل ذلك متآمرين ومحاربين آلاف مؤلفة يملؤن ما يمتد به النظر من كل الجهات تردد بلسان حالها قول الله عز وجل ((إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا معه في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ))وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر من خلال وجوههم إلى الأجيال المقبلة إلى العالم الإسلامي الكبير الذي سيملأ شرق الأرض وغربها وراح يلقي على مسامع هذا العالم خطابه المودع أيه الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا 
وأنصتت الدنيا لتسمع قوله وأنصت الحجر والقفر والمدر إلى الكلمة المودعة ينطق بها فم الحبيب صلى الله عليه وسلم بعد أن أنِست به الدنيا كلها ثلاثة وستين عاما وهاهو اليوم يلمح بالرحيل بعد أن قام بأمر ربه وغرس الأرض بغراس الإيمان وها هو الآن يلخص المبادئ التي جاء بها وجاهد في سبيلها في كلمة جامعة وبنود معدودة يُلقي بها إلى سمع العالم فماذا كان أول بند منها ؟يا سبحان الله ما أجل وأروع ! 
خطابه صلى الله عليه وسلم إنما كان يستلهم توصياته تلك من واقع المنزلقات التي سينزلق فيها أقوام في أمته خلال الزمان تائهين وراء غيرهم ضائعين عن القبس الذي سيتركه بين أيديهم فلقد كان أول بند منها قوله 
أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ولتكرر هذه التوصية نفسها مرة أخرى في خاتمة خطابه وأكد ضرورة الاهتمام بها عندما قال : 
تعلم أن كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين أخوة فلا يحل لأمريء من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفسه منه فلا تظلمن أنفسكم ألا هل بلغت ؟ 
ونحن نقول : 
أجل والله لقد بلغت يا سيدي يا حبيبي يا رسول الله فمنك تتعلم البشرية وبك تسعد البشرية ولعلنا اليوم أولى من ينبغي أن يجيبك اللهم لقد بلغت وإن كنا في ذلك إنما نسجل مسؤولية على أعناقنا قصرنا كل التقصير في القيام بحقها 
أما البند الثاني 
فلم يكن مجرد توصية ولكنه قبل ذلك قرارا اعلن عنه للملاء لأولئك الذين كانوا من حوله والأمم التي ستأتي من بعده 
وهذه صيغة القرار : 
ألا أن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي هذا موضوع دماء الجاهلية موضوع وربا الجاهلية موضوع 
فما المعنى الذي تضمنه وصيغة القرار ؟إنه يقول إن كل ما كانت عليه الجاهلية من العصبية القبلية وفوارق الأنساب والعرق واستعباد الإنسان أخاه بأغلال الظلم والمراباة قد بطل أمره ومات اعتباره ,فهو اليوم جيفة منتنة ,غيبتها شريعة الله في باطن الأرض ,وأصبح مكانها من حياة المسلم اليوم تحت موطن الأقدام إن العادات العصبية والجاهلية رجس ولى بالإسلام وسماحته فيا سبحان الله ! 
كيف نرى ونسمع من أبناء الإسلام من يرجع بعد ذلك لهذه العادة لنبش التراب عن الجيفة المنتنة فيعانقها ؟ 
وأي عاقل يتمسح بالأدران التي تخلص منها ويعود اليها ثانية ؟ 
أي عاقل يعمد إلى القيد الذي كسره البارحة وألقاه ليصلحه ويعود فيتقيد به اليوم؟ 
اللهَ اللهَ عباد الله في تعاليم الإسلام وشرائعه التي أبدلكم الله بها عن تقاليد الجاهلية ضعوا الثأر والعصبية والظلم وخذوا بجانب الشرع . إن تقاليد الجاهلية أرجاس أبعدها رسول الله عن منطلق الإنسانية ,وتقدمها الفكري والحضاري, وأعلن أنها قد عادت حثالة مدفونة تحت قدميه كي يثبت للدنيا كلها ويسجل على مسمع القرون والأجيال مضمون المدنية الحقة ,والتقدم الفكري الحق وأن كل من يزعم التقدم الفكري فينبش شيئا من هذ الدفين القديم إلا وهو يرجع القهقرى يسبح في أغوار قصيبة من التاريخ المظلم ,وإن خيل له أنه يتقدم أو يصعد رقيا. 
أما البند الثالث يتضمن ضبط الزمان : 
((وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان – ألا هل بلغت اللهم فاشهد. 
وقد كان العرب في الجاهلية وصدر الإسلام يتلاعبون بالشهور فيحجون في شهر محرم عامين , ويحجون بذي الحجة عامين أي يتلاعبون بألأشهر تقديما وتأخيرا, فأعلن صلى الله عليه وسلم أن لا حج إلا في ذي الحجة, وأن السنة 12 شهرا فقط منها أربعة حرم , وهذا هو الذي ينسجم مع المنطق العقلي التشريعي للإسلام الذي لا يقبل التناقض . 
أما البند الرابع فهو الحقوق الخاصة بالنساء: 
أما بعد أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق. لكم أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد. 
أكد في كلمة مختصرة جامعة القضاء على الظلم البائد للمرأة في الجاهلية وأثبت ضمانات حقوقها وكرامتها الإنسانية التي تضمنتها أحكام الشريعة الإسلامية ,وأكد التوصية بها بسبب التقاليد الجاهلية التي كانت تقضي بإهمال شأن المرأة ولكي تفهم الأجيال القادمة في كل عهد وطور أن الفرق بين كرامة المرأة وحقوقها الطبيعية وما يهدف إليه بعظهم من استباحة الوسائل المختلفة للتمتع والتلهي بها وهو ما حاربه الإسلام . 
وفي البند الخامس 
وضع النبي صلى الله عليه وسلم الناس من جميع المشكلات التي قد تعترض حياتهم أمام مصدرين اثنين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ,وهذا التعهد لكل الناس في كل زمان ومكان إلى يوم القيامة . 
أما البند السادس 
فقد وضح صلى الله عليه وسلم ما ينبغي أن يكون عليه علاقة الحاكم والمحكوم ,وهو مدى التزامه بقواعد العدل وأحكام الشرع ,وليكن بعد ذلك إن شاء عبدا حبشيا ,وهذا منتهى الديمقراطية .فقد أوضح لنا رسول الله صلى عليه وسلم أنه لا امتياز للحاكم من وراء حدود كتاب الله وسنة رسوله فلا ينبغي ان يكن لحاكمية أي حاكم أي ترفع ولو قيد شعرة فوق مستوى المنهج الذي هو عقد بين الحاكم والمحكوم ,فالحاكم امين ومخول من قبل الشعب بما يتماشى مع ما يعتقده المسلم ويدين به من تطبيق قواعد العدل وتطبيق المنهج الإسلامي . وقد كان صلى الله عليه وسلم المثل الاعلى في ذلك فما أمر بشيء الا كان أسرع الناس الى تطبيقه ,والالتزام به ولذلك لم يكن لفئة من الحكام ميزة او حصانة او ما شابه ذلك سوى لاصحاب القانون او أي طبقة اخرى مما يعرف الان بالمجالس التشريعية ولذلك قال صلى الله عليه وسلم وهو الحاكم الأول لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها وحا شاها ذلك . 
وفي الختام يشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم انه اخرج مسؤلية الدعوة وتبليغها عن عنقه فها هو الإسلام قد انتشر وها هي ضلالة الشرك قد تبددت ,وهاهي أحكام الشريعة قد بلغت ,وها هو الوحي ينزل على رسول الله مخاطبا البشرية جمعا ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) 
ولكنه صلى الله عليه وسلم يريد ان يطمئن من امته الى شهادة امته بذلك امام الله عندما يسالون يوم القيامة فاعقب توجيهاته هذه بان ناى فيهم قائلا انكم ستسالون عني فماذا انتم قائلون؟ فأجابوه وارتفعت الاصوات من حوله نشهد انك قد بلغت واديت ونصحت, وحينئذ اطمان الرسول صلى الله عليه وسلم لقد كان يريد ان يستوثق من هذه الشهادة التي سيلقى بها ربه ,ولقد اطمان اذ ذاك وتشعشع الرضى في عينه ونظر بهما الى اعلى مشيرا بسبابته اللهم فاشهد ,ثم الى الناس اللهم اشهد. 
ويا ما أعظمها من سعادة !؟ سعادة رسول الله بشبابه الذي أبلاه وعمره الذي أمضاه وذلك حينما ينظر ثمرة الجهد الذي بذله أصوتا ترتفع وتعج بتوحيد الله وجباها تعنوا ساجدة لدين الله وقلوبا خافقة تجيش بحب الله .ألا ما سعد حبيب الله إذ ذاك بذكرى ما لقيه من ظمأ الهواجر وشتات السفر في القفر وعذاب السخرية والإيذاء في سبيل الله ,فلتكتحل عيناك يا سيدي يا رسول لله سعادة وسرورا ,فلولا مولدك ودعوتك المباركة ما ارتفع صوت المؤذن في الإرجاء المعمورة في دمشق والقاهرة وتونس وبغداد وصنعاء وحضرموت وفي أندنوسيا وفي مشارق الاض ومغاربها فبك أخذت الأرض زخرفها وأكملت السماوات زينتها ,فإذا كان في هذه الأيام ترتفع الأصوات وتعج بالشهادة وهم في حرمك وأمنك بهذه الشهادة فإننا ومن هاهنا نضم أصوتنا إلى أصوتهم قائلين نشهد انك يا حبيبنا يا رسول الله قد أديت الأمانة ,ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده ,فجزآك الله أفضل ما جازى نبيا عن أمته . 
ولكننا أيها المؤمنون اليوم ـ وفقنا الله وإياكم لما يوجب رضوانه ـ قد تحملنا مسؤولية هذه الدعوة وقد انتقلت إلى عاتقنا وما أبعدنا اليوم عن القيام بحقها وما اشد خيبتنا بلقائك يا سيدي يا رسول الله غدا وان علينا أوزارا من التقاعس والتكاسل والركون الى زهرة الحياة الدنيا ,وان بجوارك أصحابك الذين على جبهم سيماهم من اثر السجود ذلك مثلهم في التورات ومثلهم في الانجيل . أصلح الله حالنا وحال المسلمين جميعا وأيقظنا من سكرة الدنيا ونشوة الشهوات والأهواء انه سميع مجيب وتغمدنا الله بلطفه وإحسانه وكرمه وجوده ’ونسال الله ان يهل علينا هذ العيد بالخير والمسرات ,وان يوفق حجاج بيته ويتقبل منهم صالح إعمالهم ,ويشركنا بدعائهم وبالأجر ويعيدهم إلى أوطانهم سالمين غانمين انه ولي ذلك والقادر عليه .وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 
lateef66644@yahoo.com