بعيدا عن السياسة : في القدس .. وسلوان !!

أعبر عما يجول في خاطري من أفكار متزاحمة واسرائيل تستمر باستعمارها فلسطين تتوغل وتتعمق في التهويد وتعمل على محو ذاكرة المكان والانسان ولا أظنها لليوم قادرة على ذلك . لنقرأ قصتين قصيرتين من (60 قصة جاءت في كتابي ( عزرز يغني للحب قصص :فلسطينية من الف قصة:وقصة الصادر 2013 عن دار السلوى : مع التحية :
موسيقى الحمام !
طابور من الناس وافد من الشيخ جراح وجبل المكبر ورام الله . وقف أمام باب عمره الاف السنين يحمل عبق القدس العتيقة في شارع الواد في " سوق القطانين " . رأوا على الباب شعارا مملوكيا يحمل "حمام العين " . ظن الجمع أنهم ضلوا الطريق لحفل الطرب الأصيل " رحبت هدى بهم وقالت : - رممنا الحمام العتيق ليكون صالة للفن نبث فيه الحياة من جديد . اليكم نقدم الحان الكمنجاتي تيسير وعازفة الكمان حنين .
سرح الجمهور في رحلة مع الماضي وصفقوا للعزف الجميل تدفئه رائحة بخور يمني سعيد . دخلت نساء أيام زمان ببقج مطرزة بزخارف السلاطين يحملن الصابون المعطر بالغار والياسمين . توزعن الى غرف ماؤها ساخن بخاره غيم كثيف . ومصاطب بيت نار وفرشات حول نوافير خريرها رنين.
قالت أم العروس :
- الى المشلح يازينب والحوض الرخامي والبلانة لتدليك القد المرمري بالليفة والصابون ودهنه بالفل والياسمين .
غنت البنات أغاني الجدات على أنغام الطبل والدف والمزمار . استيقظ الساكن في رطوبة المكان ليوسوس في صدور الناس .
سمع شاؤول الغناء ووشى للمستوطنين . وقالوا مهددين :
- لن يطول فرحكم , سنبني كنيسا فوق رؤوسكم لمنع الفرح وسنغني المزامير , ونرفع العلم الازرق كما فعل شارون على بيته في شارع القطانين .
لم يأبه الغارقون في النغم الجميل من الماضي التليد . صفقوا لتيسير وحنين في حمام يسكنه إنس وجان عمره الاف السنين .
كف النعنع !
في التاسعة من العمر , كانت يدها تمسك يده بأصابع طرية مثل النعنع الذي يقطفانه من الحاكورة في سلوان الخضراء .
لمسات مرح كمرح العصافير وتغريد البلابل فوق رأسيهما تغني أغنية الطفولة .
في الرابع عشرة , أصبحت اليدان أكبر , والاصابع أكثر خشونة وهما يبحشان الارض بلعب الاطفال البريئة .
أصبح تغريد البلابل فوق رأسيهما يؤنس القلوب بلغة الربيع تحملها زقزقة العصافير الصغيرة .
في السابعة عشر قال لها :
_ أعطني يدك يا زينب ؟ اسمعي رعشة قلبي الشديدة ,, أحبك . قالت :
_ أترك يدي ولا تحبسها !
تجمدت رعشة الأيدي والأحلام في فراغ الفراق والبعد والهجرة الطويلة .
وفي السبعين التقيا بعد أن تغير الواقع والخيال . هي خارج الدار في مدينة .بعيدة , وهو يحرس شجر الرمان في الحاكورة العتيقة , يبحشان الارض برعاية البلابل الخائفة , وذاكرة النعنع مع الحبيبة . سلم باليد التي شاخت أكثر من الفراق وذاكرة الطفولة . قال لها :
كأنه الكف الذي كنا نقلع النعنع به في الحاكورة !
Drnajar3@orange.jo