الوطن اكبر من هؤلاء جميعا

كثيرون هم المعنيون بالأردن ، وبتاريخه ، وشهدائه ، وبمستقبل شعبه ، وأبنائه ، أو بتطوير آلية عمل السلطات الدستورية فيه ، أو تخصهم سمعته ، ونمائه وازدهاره ، وقد حظي مؤخرا باعترافهم فيه كبلد ، وذلك على هامش قائمة الدول التي كبرت بأعينهم في حين صغر الوطن في وجدانهم ، حيث كانت الشرعية دوما في حالة تشكيك كون الأردن لم يقام في الأصل على فائض من الشعارات العربية التي خيمت على أجواء شعوب خنقتها الدكتاتوريات ، وقتلت إرادتها الحرة ، وجعلتها رهينة الخوف ، والحرمان ، وانعدام الأمل ، وغياب الحقوق والحريات الأساسية.

 

ويصرخون اليوم باسم الجياع ، ونادرا ما كانوا يحضرون على قائمة اهتماماتهم في إطار عملهم العام الذي ترفع عن قضايا الشارع اليومية ، وقد حجبتهم أحوالهم المعيشية عن فهم طبيعة معاناة الفقراء ، والمساكين الطيبين البسطاء ، وكانوا في غربة وطنية ، ولم يحضر الوطن على قائمة اهتماماتهم ، والقرى الأردنية لم تشهد مرورهم ، وليس لهم من اثر خارج إطار كاميرات الصحف ، واستديوهات الفضائيات ، والبيانات العابرة للفاكسات ، والندوات المخملية التي انتحلوا فيها صفة تمثيل الفقراء ، وكانوا صورة إعلامية مكبرة تطفو على السطح السياسي في الأردن الذي يندبون حظه ، ويدعون أحقية رسم مستقبله السياسي ، وبكونهم مؤهلين نضاليا لصياغة عقده الاجتماعي بالقفز عن كل التضحيات التي بذلت في سبيل بنائه ، وإشادة صروح العمران ، والتقدم والبنية التحتية في إرجائه.

 

وينطقون باسم الشارع ، ويصرخون بحقوق الشعب السيادية ، وقد امتهنوا رموزه السياسية ، فبالكاد رفعوا العلم الأردني في مظاهراتهم ، ومسيراتهم ، واعتصاماتهم التي شملت كل شيء في هذه الدنيا سوى الشأن الأردني ، وذلك على مدى كل سنوات نضالهم السابقة التي نادر ما تجد مناضلا منهم قضى ليلة في السجن لأسباب سياسية ، رغم عويلهم وصراخهم على وأد الحريات أردنيا ، وقد ألزموا برفع العلم بحكم القانون ، وكانوا دوما يحيون مناسبات الدكتاتوريات العربية ، ولا يحفلون بالجيش والاستقلال ، أو بالكرامة وأدرجوها مؤخرا على قائمة نشاطاتهم لإبعاد شيء من الانتقاد الذي طالهم.

 

لا يخفون في جلساتهم الخاصة عدم اعترافهم بهوية البلد ، وبنظامها ، ومؤسساتها ، ويعتبرونها قضية فكرية ، وشككوا بالديمقراطية ، وحقوق الإنسان ، وبالحريات ، ومجدوا أنظمة حرمت شعوبها حق الحياة ، والأمل في هذه الدنيا ، واعتبروا ارتباطهم ببلدهم مجلبة للشبهة ، وتعاملاتهم مع الأنظمة خارج الحدود دليل بطولة وقوة ، ومنعة ، وشهرة أطبقت الآفاق ، وبعضهم شتم الشعب الأردني على الفضائيات ، ومنهم من اعتدى على البنية الاجتماعية المتمثلة بالعشائر ، وارتبط حزبيون تنظيما بأنظمة في الخارج ، واعتبروها قضية مبادئ ، وكان الأردن في مؤخرة اهتماماتهم ، وربما لم يتنازلوا للتعامل مع هذا الكيان الذي هو اقصر من قاماتهم التاريخية،،،.

 

قدموا الإشادات لأنظمة تتربص بها شعوبها من شدة الظلم ، وانتقصوا من شأن بلدهم المتسامح ، وسودوا كل تجاربه ، وكان الأردن يترأى أجمل بعيون العرب الذين رأوا فيه الأمن والأمان ، والإنسان المتفاني بعكس البعض من أبنائه ممن أنكروه في قلوبهم.

 

صرخوا بالديمقراطية وكثيرون منهم طووا العقود أمناء عامين تاريخيين للهيئات التي يطالبون من خلالها الدولة بتداول السلطة ، وعندما يصدف تغيير أمين عام يحدث ذلك انشقاق في التنظيم ، نادوا بحرية التعبير ويخونون من يخالفهم في الرأي ، ويصفونه بأقذع الألفاظ ، واحتكروا الحياة العامة ، وطالت البعض منهم شبه الفساد حتى بيعت منح الطلاب التي تستجلب من خلال الارتباط تنظيما بأنظمة خارج الحدود ، أقصوا المخالفين ، ولم يسجل احد منهم قصة نجاح إعلامي أو تنظيمي ، أو إنمائي ، أو القدرة على استقطاب المؤيدين على خلفية طروحات تقدمية تتطلبها الأجيال.

 

وقصروا المكتسبات المتحصلة عن الهيئات الخيرية التابعة لهم في إطار أعضاء التنظيم ومؤيديه ، ولم يتعاملوا مع الشعب الأردني كجهة واحدة ، فكيف بهم إذا امتلكوا دفة القرار والصلاحيات.

 

هؤلاء الذين يعيشون خارج أحلام الشعب ، ولا يؤطرونه بأفكارهم ، وطروحاتهم من حقهم التعبير عما يجدونه يخدم تطلعاتهم ومصالحهم ، ولكنهم لا حق لهم ان يقدموا أنفسهم كوكلاء عن الشعب ، وجهة التمثيل الوحيدة لإرادته ، وهم جزء من الحراك الوطني - على علاتهم - غير أن الوطن اكبر من هؤلاء جميعا.

 

بعض الرموز الفكرية ، والسياسية التي قدمت التضحيات ، ووجدت قبولا في الشارع من حقها أن تقف على منبر قلب الشعب لتتحدث بقضيته ، ولكنه ليس بازارا لمن هب ودب في سياق فوضى حرية التعبير الممارسة اليوم. ذلك أن الفوضى لا رأس لها.