نهج الاسترضاء لا يجدي نفعا

بات يصعب في خضم هذا الكم المتصاعد من الاحتجاجات معرفة ماهية الدوافع لتلك الاحتجاجات، سواء كانت عادلة أو يحركها الجشع  مع استغلال فئات مجتمعية واسعة للظروف التي باتت فيها الدولة أكثر مرونة واستجابة بسبب ما يحيط بنا، لتختلط فيها المطالب الحقة مع تلك التي تأخد منحى الابتزاز ولتبعدنا عن مطالب الانصاف التي توصلنا نحو طريق الاصلاح والتغيير للأفضل.

 

 إلا أن الشيء الواضح هو أن بعض صناع القرار أصبح غير مكترث بالكلف الاجتماعية والاقتصادية الباهظة التي سيدفعها المجتمع لاحقا من سياسات استرضاء غير محقة، لأن الرضوخ لها يزيد من الاحتقان لفئات مهضومة الحقوق لا تقدر على إعلاء صوتها، وتشعر أن ما يحدث من تغليب مصلحة فئة دون الأخرى غير منصف ويعمق الإقصاء.

 

 المصيبة أن يكون المسؤولون على وعي ودراية بذلك ورغم هذا يتصرفون وكأنهم لا يعرفون حجم المعضلات الاقتصادية التي تتفاقم في الاردن، ولا يعيرون اهتماما لما قد تترتب عليه تلك من عجوزات ومديونية متنامية.

 

مخاطر كبيرة من نهج تعظيم المكاسب على حساب الدولة التي تزيد العجوزات بطريقة، لا تؤسس نحو الاستثمار في مساعدة الفقراء أو الدفع لنمو طويل الأمد، وهي تتعمد القفز عن بدهيات المصارحة بإمكانات لا تقوى على الصمود لولا المساعدات الأجنبية والتدفقات المالية من الخارج وتحفيز قطاع خاص حيوي لخلق الوظائف، وكلها اليوم تشهد انحسارا في وقت كانت حكومات متعاقبة قادرة على السير كما تشاء في نهج المحاباة وكسب الرضا بفعل بحبوحة تلك التدفقات.

 

ولا تساعد تلك الرسائل السلبية التي تطلق بين حين وآخر نحو قطاع خاص محاصر يوصف بالفاسد من دون تمييز ويشعر بعض أقطابه أنه اليوم كبش الفداء لكل المشاكل المتفاقمة في وقت يتم تسييس الحراك والجدال الدائر حول سياسات السوق الحر، للتغاضي عما أفسدته سياسات هدر المال العام في مشاريع تنفيع بددت الاموال وخربت النفوس.

 

 وهل يعقل ان تستغل النقمة على قطاع خاص بعمومه لتحويل المسار نحو دولة ريعية يتمدد دورها بفعل ضغوط اجتماعية متباينة، كل حسب ثقل مجموعته ويتم اثناءها هدم إنجازات دولة المؤسسات التي تنتصر لسيادة القانون والمواطنة الكاملة من دون الأخذ بأي اعتبار آخر؟.

إن استباحة المال العام تحت غطاء ضبط انفلات سياسات التحرر الاقتصادي القاسية التي أضرت بالفقراء ترحيل للازمات.

 

ويبقى أن يعي صانع القرار أن هذا القطاع من رجال الأعمال والشركات والصناعيين الذين يتم الاستقواء عليهم اليوم واستعداؤهم، هم المصدر الاكبر للأموال التي تسدد فواتير الرواتب والكثير من النفقات الجارية لماكينة الحكومة، ولن تجدي إخافتهم لأنك كمن يقتل البقرة التي يحلبها!.

 

وما الفاتورة التي يدفعها الوطن عندما يعم التشكيك، ويؤدي الخوف لتجميد المشاريع التي نحن أحوج ما نكون لها في خلق الوظائف التي لا تقوى عليها الدولة ؟.

 

 إن شيطنة القطاع الخاص الفاعل هو الطريق الاقصر لمزيد من العجوزات، عبر مزيد من الاقراض في الايام المقبلة، التي تعوض انحسار ضرائب القطاع الخاص المحاصر وتؤسس حينها لمرحلة نصل فيها لطريق مسدود لا نأمله ولا نتمناه ولا تحمد عقباه.